بسم الله الرحمن الرحيم جامع المصطفي :1/12/2006 م أعمال الحج الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مذ يده . اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. اللهم لك الحمد حتى ترضي ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا ولك الحمد كالذي نقول وخير مما نقول . أحمد الله وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأستعين به وأستنصره وأسأله النجاة من النار . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شرفه وفضله وزينه وجمله واصطفاه واجتباه ووفقه وهداه فكان صفوة المصطفين الأخيار . اللهم صل وسلم وبارك علي رسول الله محمد خير عبادك وعلي آله وصحبه وكل مسلم آمن بآيات ربه ففاز بقربه وتمتع بحبه وصار علي دربه إلى يوم القرار . أما بعد : فأوصيكم وإياي عباد الله بتقوى الله وأحذركم ونفسي من عصيان الله ثم استفتح بالذي هو خير يقول الله تعالي وهو أصدق القائلين " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب " عباد الله أيها المسلمون :
الإحرام بالنسك ثلاثة أنواع ( إفراد وقران وتمتع ) أما الإفراد : يحرم بالحج وحده من الميقات ويقول في التلبية لبيك حجا .و أما القران : يحرم بالحج والعمرة معا من الميقات ويقول في التلبية لبيك حجا وعمرة والإفراد والقران متساويان في كل شيء عدا النية والهدي . ففي الإفراد ينوي لبيك حجا وليس عليه هدي. وفي القران ينوي لبيك حجا وعمرة وعليه هدي . قال جمهور العلماء القارن يكفيه عمل المفرد فيطوف طوافا واحدا ويسعي سعيا واحدا للحج والعمرة وفي ذلك يروي الإمام الترمذي وحسنه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال قرن رسول الله صلي الله عليه وسلم الحج والعمرة فطاف لهما طوافا واحدا وسعي لهما سعيا واحدا .
أما المتمتع فيحرم بالعمرة من الميقات فيقول عند الميقات لبيك عمرة متمتعا بها بها إلى الحج ويتقدم فيؤديها في أشهر الحج ويحل منها ويبقي علي ذلك . فإذا جاء يوم التروية ( وهو اليوم الثامن من ذي الحجة ) أحرم من المكان الذي نزل فيه وعليه هدي . وللمتمتع شروط : 1ـ أن يكون الحج والعمرة في سفر واحد في عام واحد . 2ـ وأن تكون العمرة في أشهر الحج . 3ـ وتتقدم العمرة علي الحج . 4ـ ولا يكون مكيا .. فلو اختل شرط من الشروط لا يكون تمتع ولا يكون هدي . تعالوا بنا ندرس أعمال الحج " إفرادا وقرانا " .
يبدأ الحاج بالإحرام : فيتجرد من ثيابه .فيغتسل كما يغتسل للجنابة ويتطيب بأفضل ما يجد علي رأسه وعلي لحيته ويلبس رداء وإزارا والأفضل أن يكونا أبيضين والمرأة ليس لها لباس مخصوص فتلبس ما تشاء وهو ركن لا يتم الحج إلا به . والإحرام هو نية النسك لقول النبي "إنما الأعمال بالنيات " . ويكون من الميقات فلو جاوز الميقات بلا إحرام فعليه دم يذبحه ويوزعه علي فقراء الحرم . ويحدد نسكه ثم يشترط : فيقول" فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني " فإنه يستفيد من الاشتراط فائدتين: أنه إذا عاقه عائق فإن له أن يتحلل . وأنه متى حل بذلك فلا دم عليه ولا صوم . وذلك لما روي الإمام البخاري رحمه الله عن عبد الله بن عباس أن ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها شكت لرسول الله إني امراة ثقيلة فقال لها حجي واشترطي وكذلك عائشة شكت لرسول الله إني امراة وجعة فقال لها حجي واشترطي " . ثم يلبي : ( لبيك اللهم لبيك . لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ) وذلك لما روي الإمام بن ماجة رحمه الله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال صلي الله عليه وسلم " ما من مسلم يلبي إلا غابت ذنوبه وعاد كيوم ولدته أمه " ويرفع بالتلبية صوته أما المرأة فتسمع نفسها لما روي بن ماجة رحمه الله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال النبي صلي الله عليه وسلم جاءني جبريل فقال مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعائر الحج " وقال" أفضل الحج العج الثج ". وروي بن ماجة رحمه الله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال صلي الله عليه وسلم ما من مسلم يلبي فيسمعه حجر ولا شجر ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة " ولا يقطع التلبية إلا بعد جمرة العقبة الكبرى . ثم يتقدم نحو البيت : فيدخل برجله اليمني من باب السلام فيقول أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم اللهم صل علي سيدنا محمد اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك فإذا رأي البيت فيقول اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام ثم يطوف طواف القدوم : فيستلم الحجر ويقبله إن استطاع ويقول اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك بسم الله والله أكبر . فقد روي عن رسول الله أنه كان يقبل الحجر قال بن عمر استقبل النبي الحجر فقبله وبكي وقال يا عمر هنا تسكب العبرات . لذا كان عمر يقبل الحجر ويقول والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك ثم يجعل البيت عن يساره ويضطبع : فيجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن ويجعل الأطراف علي عاتقه الأيسر فيرمل ثلاثا ويمشي أربعا والحكمة من الرمل ما روي البخاري ومسلم عن بن عباس "أن قريشا كانت تتابع الحجاج ويقولون أنهكتهم حمي يثرب فقال النبي أروهم قوة وأمر بالرمل " . وللطواف شروط : الطهارة لما روي الترمذي رحمه الله عن بن عباس رضي الله عنه قال : قال صلي الله عليه وسلم " الطواف كالصلاة غير أن الله قد أباح فيه الكلام " وستر العورة لما روي الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال صلي الله عليه وسلم " لا يطوف بالبيت عريان " و أن يكون سبعة أشواط تبدأ بالحجر وتنتهي بالحجر ويكون البيت عن يسار الطائف ويكون الطواف خارج البيت فلو دخل من الحجر لا يحتسب . فإذا انتهي صلي ركعتين خلف المقام إن استطاع وإلا صلاها في أي مكان ثم يتضلع من ماء زمزم فقد ورد في الصحيحين عن بن عباس : قال صلي الله عليه وسلم "ماء زمزم لما شرب له وقال ماء زمزم طعام طعم وشفاء سقم " . ثم يتقدم نحو الصفا والمروة فيسعي سعي الحج : أو يؤخره لما بعد طواف الإفاضة يوم النحر . وهو ركن من أركان الحج لما روي بن ماجة عن حبيبة بنت تجراة إحدى نساء بني عبد الدار أن النبي صلي الله عليه وسلم " إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا " وللسعي شروط : أن يكون بين الصفا والمروة و أن يبدأ بالصفا ويختم بالمروة وأن يكون عدد الأشواط سبعة ولا يشترط له طهارة وهو ركن لقوله تعالي " إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " . ويبقي محرما إلى أن يأتي اليوم الثامن من ذي الحجة فيتوجه نحو مني : فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصرا ويبيت بها ليلة عرفة وهذه سنة من تركها فلا شيء عليه . ثم بعد شروق الشمس يتوجه إلى عرفة : فيستمع إلى خطبة عرفة ثم يصلي الظهر والعصر جمع تقديم بأذان واحد وإقامتين ثم يتوجه بعد ذلك نحو الصخرات ولا يسن صعود الجبل ويذكر الله ويدعو حتى الغروب . ويباهي رب العالمين بهذا الموقف ملائكته وهم يدعونه . والإنسان هنا يجب أن ينشغل فقط بالدعاء لله . وبعد الغروب يتوجه بهدوء وسكينة نحو مزدلفة : فيصلي بها المغرب والعشاء جمع تأخير وينام حتى الفجر فإذا طلع الفجر صلي الفجر ثم يذكر الله عند المشعر الحرام حتى يسفر الجو جدا " فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين " . وقبل أن تشرق الشمس يتوجه إلى مني : في هدوء وسكينة فإذا وصل وادي محسر يسرع وهو الذي حبس فيه فيل أبرهة الأشرم . فيرمي جمرة العقبة الكبرى وهي التي تلي مكة يرميها بسبع من الجمار مكبرا مع كل حصاة . فقد رماها رسول الله من فوق بعيره . والجمرات من أي مكان من مني أو من مزدلفة . الأمر في ذلك واسع رسولنا لقطها من مني والسلف استحبوا لقطها من مزدلفة ليكون مستعدا للرمي . ثم يحلق شعره أو يقصره : ولكن الحلق أفضل فقد دعي رسول الله صلي الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة واحدة كما روي البخاري ومسلم . وبهذا فقد حدث التحلل الأول وبه يباح للمحرم كل محظورات الإحرام إلا النساء وان كان قارنا عليه أن يذبح نسكه : ثم يخلع ملابس الإحرام . ثم يتوجه بعد ذلك نحو البيت فيطوف طواف الإفاضة : وهو ركن الحج ولا يصح الحج إلا به وبهذا يكون قد حدث التحلل الأكبر وبه يباح كل شيء حتى النساء ثم يسعي سعي الحج إن لم يكن قد سعي عند طواف القدوم . ويبقي عليه المبيت بمني ليالي التشريق ويرمي جمرات التشريق : . والمبيت بمني ليالي التشريق واجب يجبر تركه بالدم ويرمي جمرات العقبة بعد الزوال يبدأ بالصغرى ثم الوسطي ثم الكبرى يرمي الصغرى ويدعو طويلا ثم الوسطي ويدعو أقل ثم الثالثة ويمشي وذلك ثلاثة أيام ويجوز له أن يتعجل في يومين وذلك بشرط أن يرمي في اليوم الثاني بعد الزوال وينصرف من مني قبل الغروب فلو غربت عليه الشمس ومازال في مني بات فيها اليوم الثالث لقوله تعالي " واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقي واتقوا الله واعلموأنكم إليه تحشرون " ولا يبقي عليه بعد ذلك إلا طواف الوداع : وهو من واجبات الحج وقد رفعه الله عن المكي فليس عليه وداع وعن الحائض والنفساء فليس عليهما وداع وذلك لما روي البخاري عن بن عباس " أن رسول الله صلي الله عليه وسلم أمر الناس أن يكون آخر عهدهم البيت إلا أنه خفف عن الحائض " وأجاز بعض العلماء ومنهم بن باز رحمه الله أن يكون الإفاضة مع الوداع طوافا واحدا بشرط أن يكون آخر الأعمال سواء نوي ذلك أم لم ينو .
الثانية :ـ
المتمتع يحرم بعمرة من الميقات وعندما يدخل مكة يطوف ويسعى للعمرة ثم يحل منها ويبقي محلا حتى يأتي اليوم الثامن فيحرم من المكان الذي هو نازل فيه ثم يقوم بجميع الأعمال علي النحو الذي ذكرنا . ولكن أيهما أفضل القران أم التمتع ؟ قيل القران أفضل لان الرسول كان قارنا وقيل التمتع أفضل لان الرسول تمناه فقال : لو أنى استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي معي وجعلتها عمرة . وعلي القارن والمتمتع هدي والهدي : من الضأن ثني له ستة أشهر . ومن المعز ثني له سنة ومن البقر ثني له سنتان ومن الإبل ثني له خمس سنوات فإن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله وهذه الثلاثة في أيام العشر فإن لم يتمكن صام أيام التشريق لقول عائشة لم يرخص رسول الله في صوم أيام التشريق إلا لمن لم يجد الهدي . والباقي إذا رجع إلى أهله ولا يلزم فيها تتابع .