بسم الله الرحمن الرحيم الدروس المستفادة من الحج والعمرة جامع المصطفي يوم :28/12/2007
الحمد لله رب العالمين أسبغ علي المسلمين نعمه ظاهرة وباطنة . قال فينا وصدق " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار" ، "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها عن الله لغفور رحيم " . أحمد الله وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأستعين به وأستنصره وأسأله الفوز بالجنة والنجاة من النار وأتوكل في جميع الأمور عليه . وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شرفه وفضله وزينه وجمله فكان أقرب المقربين إليه . اللهم صل وسلم وبارك علي رسول الله محمد خير عبادك وعلي آله وصحبه وكل مسلم آمن بآيات ربه ففاز بقربه وتمتع بحبه وسار علي دربه إلى يوم الدين أما بعد . فأوصيكم وإياي عباد الله بتقوى الله وأحذركم ونفسي من عصيان الله ثم أستفتح بالذي هو خير. يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين يعظ عباده المؤمنين الموحدين بسم الله الرحمن الرحيم " وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون "..عباد الله أيها المسلمون :ـ في مثل هذه الأيام يعود الحاج من رحلته بعد أن كان مع الله عز وجل قلباً وقالباً . مؤتمرا بأمره منتهيا عن نهيه . أتي الميقات فتجهز . ثم لبس ملابس الإحرام ونوي . وأتي البيت الحرام فطاف وسعى . وبات بمني ووقف بعرفات . ورمي وتتحلل . فقد خرج من طاعة إلى طاعة . ومن أمر الله إلى أمر الله . فما أجملها من رحلة . رحلة الفرار إلي الله . فهل حج من أجل الحصول علي اللقب أم حج ابتغاء مرضات الله . وصدق من قال :إذا حججت وقصدك الدنيا وزينتها فما حججت ولكن حجت العيرفما يقبل الله إلا كل مخلصة وليس كل من حج بيت الله مبــــرور
ويا سعد من كان حجه لله فقد رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه . روي الشيخان الجليلان البخاري ومسلم رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه " . فما هي الدروس المستفادة من رحلة الحج ؟ 1ـ المبادرة والسعي إليه : نظرا لأن الحاج يعود بصفحة بيضاء قد غفر له ربه ما تقدم من ذنبه لذلك يا من فاتك الحج هذا العام انو واستعد للعام القادم واسمع لقول الله " فاستبقوا الخيرات إلي الله مرجعكم جميعا " ويصح في ذلك ما رواه الإمام أحمد عن بن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلي الله عليه وسلم " من أراد الحج فليعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتكون الحاجة " . 2ـ الزهد في الدنيا : إن الحاج قد تجرد من كل زينة . وجعل الدنيا خلف ظهره وتمثل قول الله " اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ". 3ـ تذكر الآخرة :إن الحاج حين يخلع ملابس الدنيا ويلبس رداء وإزارا فهو يذكرنا بالميت حين يلبس أكفانه وصدق رمن قال :قولوا لمن ملك الدنيا بأجمعها لا يؤخذ من الدنيا غير القطن والكفن
وحينما يسافر لأرض صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء ولا أهل ولا ولد ولا دار إنما الله الواحد القهار فهذا يذكرنا بالانتقال للقبر أول منازل الآخرة وعنه يقول النبي صلي الله عليه وسلم " إذا مات بن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية ولد صالح يدعو له علم ينتفع به ". و حينما يقف الحجيج علي عرفات الله في صعيد واحد فيذكرنا ذلك بيوم العرض علي الله "يومئذ تعرضون لا تخفي منكم خافية " بيوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شان يغنيه " . فيا سعد من قام بهذه الرحلة . واسمع لربك " ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلي الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره علي الله إن الله كان غفورا رحيما ". و روي بن جريج رحمه الله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " هذا البيت دعامة هذا الدين فمن خرج يؤم هذا البيت كان مضمونا علي الله إن قبضه أن يدخله الجنة وإن عاد عاد بخير وغنيمة ". وكلنا يعلم قصة الصحابي الذي وقصته ناقته علي عرفة في حديث جابر رضي الله عنه " وقع صحابي من فوق ناقته فوقصته الناقة فقال رسول الله اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه فإنه يوم القيامة يبعث ملبيا ".4ـ الهجرة إلي الله : إن الحاج قد هاجر من بلده إلي أرض الله فهذه هجرة حقيقة قال عنها رسول الله " فمن كانت هجرته إلي الله ورسوله فهجرته إلي الله ورسوله " . كما أنه قد هجر المعاصي ومحظورات الإحرام وهذه هجرة معنوية صح فيها ما روي الإمام البخاري رحمه الله عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهي الله عنه ". 5ـ شد الرحال للمساجد المنصوص علي فضلها :فقد تشرف بالذهاب إلي مكة البلد الحرام التي قال فيها رسول الله " إن هذا البلد حرام بحرمة الله إلي يوم القيامة ". تلك البلد التي وقف الرسول أمامها يوم الهجرة باكيا وهو يقول والله عن لأحب أرض الله إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت " وقد تشرف بالصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي وقد روي الإمام البخاري رحمه الله عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَمَسْجِدِ الأَقْصَى ". وليس بخاف عليكم فضل الصلاة في هذه المساجد فقد روي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " صَلاةٌ فِي المَسجِدِ الحَرامِ مِائَةُ ألفِ صَلاةٍ، وصَلاةٌ في مَسجِدي ألفُ صَلاةٍ، وفي بَيتِ المَقدِسِ خَمسُمِائَةِ صَلاةٍ ". كما أنه شرف باستلام الحجر الأسود فقال عنه الرسول والله ليبعثه الله يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق ويشهد علي من استلمه بحق " . وتشرف بالصلاة بالروضة الشريفة فقد روي الإمام البخاري رحمه الله عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضى الله عنه ـ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي ". 6ـ ذكر الله في الحج : إن رحلة الحج رحلة ذكر لله . اسمع لربك في آيات الحج " فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين " ، فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا كذكركم آباءكم أو اشد ذكرا "، واذكروا الله في أيام في أيام معدودات " . فلا تكاد تجد آية من آيات الحج إلا تم التنصيص فيها علي ذكر الله ويدل ذلك علي شرف الذكر وأنه من أفضل الأعمال روي الإمام أحمد عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله : { ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا: بلى يا رسول الله قال ذكر الله عز وجل " .7 ـ الانتصار علي النفس والشيطان: إن الحاج حينما يتجنب محظورات الإحرام من أجل الله فيبتعد عن الزينة وغيرها من قص الشعر والأظفار والابتعاد عن الطيب والصيد والنساء وسائر المحظورات . فهذا انتصار علي النفس التي غالبا ما تأمر الإنسان بالشر . فالفلاح في تزكيتها وإلجامها وصدق الله " ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها " . وكذلك انتصار علي الشيطان فيقوم الحاج برجمه في يوم العيد وأيام التشريق لذلك يغتاظ الشيطان ويبكي ويدعو علي نفسه بالويل والثبور ويصح في ذلك ما روي عن أبى الدر داء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " ما رؤى الشيطان في يوم غير يوم بدر أغيظ ولا أدحر ولا أحقر من يوم عرفة ذلك لما يري من تنزل الرحمات وتجاوز الله عن الذنوب وعن الزلات . وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون " .8ـ رفع شعار التوحيد :تتجلي مظاهر التوحيد في قصد بيت واحد هو البيت الحرام " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين ". وحينما يلبس الناس كلهم لباس واحد هو لباس الإحرام .ويتواجدون في مقام واحد هو مقام العزة والإكرام . ويناجون رب واحد هو رب العالمين علي صعيد واحد هو صعيد المشاعر المقدسة إن ذلك لكه يدل علي وحدانية الله . وصدق من قال:تفكر في نبات الأرض وانظر * إلى آثار ما صنع المليكعيون من لجين شاخصات * بأبصار هي الذهب السبيكعلى قضب الزبرجد شاهدات * بأن الله ليس له شريــك
9 ـزيارة الأماكن المقدسة في المدينة : فيزور قباء وهو المسجد الذي قال الله فيه " لمسجد أسس علي التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه . فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين " فقد أقام الرسول فيها أربعة أيام وأسس هذا المسجد وورد أن أول جمعة صلاها رسول الله كانت في قباء ومن صلي فيه ركعتين فهي بثواب عمرة . ويزور مسجد القبلتين وهو مسجد بني سلمة حيث جاء الأمر بتحويل القبلة وهم يصلون الظهر فاستداروا وهم يصلون فسمي مسجد القبلتين . ويزور شهدا أحد وقبر رسول الله وأبي بكر وعمر . أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم الثانية :يروي الشيخان الجليلان البخاري ومسلم رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " قيل للحسن: الحج المبرور جزاؤه الجنة، قال: آية ذلك أن يرجع زاهداً في الدنيا، راغباً في الآخرة، الحاج بينك وبين الله عهود أكيدة: العهد الأول : يوم أخذ الله العهد علينا في ظهور آبائنا " وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم علي أنسهم ألست بربكم قالوا بلي " .الثاني : حين جاء إلينا رسول الله صلي الله عليه وسلم فعاهدناه وآمنا به وصدقناه وأعطيناه علي ذلك عهودنا ومواثيقنا وثالثها: لمن حج فإنه يجدد البيعة ويلتزم الوفاء بالعهد القديم "مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْه" . والحر الكريم لا ينقض العهد القديم . فإذا دعتك نفسك إلى نقض عهد مولاك فقل لها مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ "يـا بنـــي الإسـلام مــن علمكـم بعد إذ عــاهدتـم نقض العهود
كل شيء في الهوى مستحسن ما خلا الغدر وإخلاف الوعود
فإياك والحور بعد الكور وارفع شعار الثبات حتى الممات .