بسم الله الرحمن الرحيم
فرضية الحج
جامع المصطفي في يوم الجمعة : 10/11/2007 م
الحمد لله الذي جعل البيت الحرام مثابة للناس وأمنا . سبحانه سبحانه جعل الحج لقاء للمسلمين وعنوانا لكمال الدين . أحمد الله وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأستعين به وأستنصره وأسأله النجاة وحسن الختام وآمله الوفاة علي الإسلام . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده رسوله شرفه وفضله وزينه وجمله واصطفاه واجتباه ووفقه وهداه فكان خيرة خلق الله . اللهم صل وسلم وبارك علي رسول الله محمد خير عبادك وعلي آله وصحبه وكل مسلم آمن بآيات ربه ففاز بقربه وتمتع بحبه وسار علي دربه إلي يوم الدين . أما بعد فأوصيكم وإياي عباد الله بتقوى الله وأحذركم ونفسي من عصيان الله ثم أستفتح بالذي هو خير . يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين : بسم الله الرحمن الرحيم " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " .عباد الله أيها المسلمون : * الحج قصد مكة لأداء عبادة الطواف والسعي والوقوف بعرفة وسائر المناسك . استجابة لأوامر الله وابتغاء مرضاته . وهو أحد أركان الإسلام الخمسة . روي الإمام مسلم رحمه الله عن بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال " بني الإسلام علي خمس شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان حج البيت من استطاع إليه سبيلا " . وهو معلوم من الدين بالضرورة ومنكره كافر مرتد واسمع لربك " ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " . قال المفسرون : من توفرت له شروط الاستطاعة ولم يحج فقد كفر . وهذا أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يقول : لقد هممت أن أبعث رجالا إلي هذه الأمصار فينظروا كل من له جدة ولم يحج فيضربوا عليه الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين . واختلف في موعد فرضيه يري بن القيم رحمه الله أنه فرض سنة 9 هـ ويري الجمهور أنه فرض سنة 6 هـ بنزول قوله تعالي " وأتموا الحج والعمرة لله ". وهو مؤتمر عالمي يلتقي فيه المسلمون من كل فج عميق ويرفعون شعار التوحيد ويتشاورون في قضاياهم وصدق من قال :لك الدين يارب الحجيج جمعتهم لبيت طهور الساع والشـرفات
تري الناس أفواجا ومن كل بقعة إليك انتهوا من غربة وشتات
تساووا فلا الأنساب فيها تفاوت لديك ولا الأنظار مختلفـــــــات
* وللحج فضائل عظيمة فهو أفضل الأعمال . وهو جهاد . ويغفر الذنوب . والنفقة في الحج عظيمة كما أن لمكة ولاستلام الحجر فضل عظيم وشرف جسيم عند رب الأنام . 1ـ أفضل الأعمال : فقد روي الآمام البخاري رحمه الله عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " سئل أي العمل أفضل فقال إيمان بالله ورسوله قيل ثم ماذا قال الجهاد في سبيل الله قيل ثم ماذا قال حج مبرور"والمبرور هو المقبول الذي لا يخالطه إثم . وتظهر ثمرته علي صاحبه فيكون حاله بعده خيرا من حاله قبله . لهذا جاء في رواية وبره إطعام الطعام ولين الكلام قال الحسن يعود الحاج من رحلته زاهدا في دنياه راغبا في أخراه .،2ـ جهاد : جهاد يناسب الضعيف والجبان فقد روي الإمام النسائي رحمه الله عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال جاء رجل إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال "إني جبان ضعيف فقال هلم إلي جهاد لا شوكة فيه الحج " ويناسب المرأة فقد روي الإمامان الجليلان البخاري ومسلم رحمهما الله عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله أفلا نجاهد فقال :" لكن أفضل الجهاد حج مبرور". 3ـ وهو يغفر الذنوب : بشرط أن لا يرفث ولا يفسق فقد روي الشيخان الجليلان البخاري ومسلم رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه " وإذا أسلم الرجل وحسن إسلامه ثم حج فإن الحج يهدم ما قبله فقد روي الإمام مسلم رحمه الله عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال "لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت رسول الله صلي الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ابسط أبايعك فبسط قال فقبضت يدي فقال مالك يا عمرو فقلت أشترط قال تشترط ماذا ؟ قلت أن يغفر لي فقال : أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله وأن الهجرة تهدم ما قبلها وأن الحج يهدم ما قبله ".4ـ وينفي الفقر والذنوب : كما ينفي الكير خبث الحديد فقد روي الإمام النسائي رحمه الله عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " تابعو بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد " . 5ـ فهنيئا للحجاج بحجهم : فقد استحقوا الشرف بأن صاروا وفد الله فقد روي الإمام النسائي رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " وفد الله ثلاثة الحجاج والعمار والغزاة إن سألوه أعطاهم وإن استغفروه غفر لهم " . واستحقوا الفوز بالجنة فقد روي الشيخان البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة "واستحقوا الضمان من الله فقد روي بن جريج رحمه الله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " هذا البيت دعامة هذا الدين فمن خرج يؤم هذا البيت كان مضمونا علي الله إن قبضه أن يدخله الجنة وإن عاد عاد بخير وغنيمة " . 6ـ والنفقة في الحج من أفضل النفقات : فقد روي الإمام احمد رحمه الله عن بريدة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله الدرهم بسبعمائة درهم ". 7ـ والذهاب لمكة له فضل عظيم وشرف جسيم :عند رب الأنام فعن رسول الله صلي الله عليه وسلم " من طاف بهذا البيت سبعا وصلي ركعتين كان كعتق رقبة وما رفع قدما ولا وضعها إلا كتب له عشر حسنات وحط عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات " أما الحجر فقال عنه الرسول والله ليبعثه الله يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق ويشهد علي من استلمه بحق " وقال نزل الحجر من الجنة أشد بياضا من الثلج وسودته ذنوب بني آدم " ..* وأجمع العلماء علي أن الحج لا يجب إلا مرة واحدة في العمر إلا أن ينذره الإنسان علي نفسه فيجب الوفاء بالنذر وما زاد فهو تطوع فقد روي الإمام أحمد عن بن عباس رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال " أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا فقام الأقرع بن حابس وقال يا رسول الله أفي كل عام يا رسول الله فقال لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم الحج مرة وما زاد فهو تطوع " . ولكن علي الفور أم علي التراخي محل خلاف بين العلماء فقد ذهب الشافعي أنه يجب علي التراخي ودليله في ذلك أن الحج فرض في السنة السادسة ولم يحج الرسول إلا في السنة العاشرة . وذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد أنه يجب علي الفور واستدلوا علي المبادرة بما رواه الإمام أحمد عن بن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلي الله عليه وسلم " من أراد الحج فليعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتكون الحاجة ". وعللوا تأخر النبي صلي الله عليه وسلم في الحج أنه كان مشغولا بالفتوحات الإسلامية وإرساء قواعد الدولة الإسلامية* ويشترط لوجوبه ستة شروط : الإسلام فلا يجب علي غير المسلم ، البلوغ والعقل فالصبي والمجنون رفع عنهما القلم روي الإمام أبو داوود عن عائشة قالت : قال صلي الله عليه وسلم " رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق وعن الصبي حتى يبلغ " لكن الصبي إن حج صح منه وقبل منه ولكن لا تجزئ عن حجة الإسلام فقد روي الإمام مسلم عن بن عباس رضي الله عنهما أن امرأة رفعت صبيا لها لرسول الله صلي الله عليه وسلم فقالت ألهذا حج يا رسول الله فقال نعم و لك أجر " . وعندما يبلغ عليه حجة أخري فقد روي الإمام الطبراني عن بن عباس عن رسول الله صلي الله عليه وسلم " أيما غلام حج به ثم بلغ فعليه حجة أخري " ، الحرية فلا يجب الحج علي العبد لأنه مشغول بخدمة سيده لكنه إن حج صح منه وقبل منه لكن لا تجزئ عن حجة الإسلام وعليه عندما يعتق أن يحج حجة الإسلام روي الطبراني عن بن عباس قال صلي الله عليه وسلم " أيما عبد حج ثم أعتق أن يحج حجة أخري ". ، والاستطاعة وذلك لقوله تعالي " ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " وللاستطاعة شروط منها أن يكون الإنسان صحيح البدن فلو كان عاجزا لزمانة أو شيخوخة أو مرض لزم إحجاج غيره عنه لما ورد روي الجماعة رحمهم الله عن الفضل بن عباس أن الخثعمية سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم " إن الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يثبت علي الراحلة أفأحج عنه ؟ فقال نعم حجي عنه " .، وأن يكون الطريق آمنا يأمن الإنسان علي نفسه وماله وعرضه . ، وأن يملك الزاد والراحلة الفاضلة عن حاجته وعن حاجة من يعول حتى يذهب ويعود فقد روي الدار قطني عن أنس رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم "ما السبيل يا رسول الله قال الزاد والراحلة " فمن لم يملك الزاد والراحلة الفاضلة عن حاجته وحاجة من يعول فليس عليه حج لقوله تعالي " ولا علي الذين لا يجدون ما ينفقون حرج " لكن من ملك الزاد والراحلة ولم يحج فيخشي عليه الكفر والعياذ بالله فقد روي الإمام الترمذي عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " من ملك الزاد والراحلة ولم يحج فلا عليه أن يموت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا " .، وأن يكون الطريق آمنا فلا يوجد به ما يمنع من الذهاب للحج من خوف حبس أو جائر . فمن كملت لديه الشروط وجب عليه الحج . إن كان قادرا حج بنفسه وإن كان عاجزا ينظر إن كان يري العجز سيزول قريبا انتظر حتى يزول العجز فيحج وإن مات أثناء الانتظار حج عنه من تركته وإن كان يري أن العجز مستمر لا يرجي زواله يوكل من يحج عنه ويعتمر . ويزاد في حق المرأة شرط آخر أن يكون معها محرم فيكون معها زوج أو من يحرم عليه نكاحها بسبب مباح لما روي البخاري ومسلم عن بن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلي الله عليه وسلم " لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقال رجل يا رسول الله إني اكتتبت في غزوة كذا وامرأتي حاجة فقال له اذهب فحج مع زوجتك " ولكن ماذا لو انعدم الزوج والمحرم هل تجلس المرأة بلا حج رغم توافر جميع الشروط الباقية يري الشافعية وبن تيمية يكفي في ذلك نسوة ثقات بل تكفي امرأة واحدة ثقة وذلك لما روي البخاري رحمه الله عن عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله " أتدري ما الحيرة يا عدي قال لا ولكني بلغت عنها فقال عن طالت بك الحياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله "والمرأة يستحب لها أن تستأذن زوجها ففي الفرض إن أذن لها فبها وإلا تعصاه فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وفي التطوع عن رفض فلا تخرج لما روي الدار قطني عن بن عمر قول الرسول " من لها مال وزوج ورفض زوجها التطوع فليس لها أن تنطلق إلا بإذنه " ..