بسم الله الرحمن الرحيم
تابع وصايا الرسول لأبي ذر
المنصورة : جامع المصطفي في يوم :16/3/2007 م
الحمد لله الواحد الخلاق . أمر بمكارم الأخلاق . سبحانه سبحانه أرسل رسولا علي خلق عظيم . رسولا ملأ خلقه الآفاق . قال فينا وصدق فيما روي الإمام أحمد عن أبي هريرة " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " .. أحمد الله وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأستعين به وأستنصره وأسأله الوقاية والحماية من جميع الآفات و أتوكل في جميع الأمور عليه . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شرفه وفضله وزينه وجمله فكان أقرب المقربين إليه .اللهم صل وسلم وبارك علي رسول الله محمد خير عبادك وعلي آله وصحبه وكل مسلم آمن بآيات ربه ففاز بقربه وتمتع بحبه وسار علي دربه إلى يوم الدين أما بعد فأوصيكم وإياي عباد الله بتقوى الله و أحذركم ونفسي من عصيان الله ثم أستفتح بالذي هو خير . . يروي الإمام الحاكم رحمه الله عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله أوصني فقال : أوصيك بتقوى الله فإنها رأس الأمر كله . قلت زدني . قال عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء قلت زد ني قال : إياك وكثرة الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب وتذهب بنور الوجه قلت : ذد ني قال : عليك بالجهاد فإنه رهبانية هذه الأمة . قلت زد ني قال : قال أحب المساكين وجالسهم . قلت زدني قال : قال انظر إلي من هو تحتك ولا تنظر إلي من هو فوقك فإنه أجدر ألا تذد ري نعمة الله عليك . قلت زدني قال : قل الحق وإن كان مرا . قلت زدني قال ليردك عن الناس ما تعلمه من نفسك ولا تجد فيما تأتي . ثم ضرب بيده علي صدري فقال يا أبا ذر : لا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف ولا حسب كحسن الخلق ] ...
عباد الله أيها المسلمون :
· عليك بالجهاد فإنه رهبانية هذه الأمة :ـ فبالجهاد تتحقق الرهبانية والجهاد ذروة سنام الإسلام يروي الإمام مالك رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم بآيات الله لا يفتر من صلاة وصيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله " وما ذلك إلا لأسباب : أن الجهاد من أفضل الأعمال يروي الإمام مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم أي العمل أفضل يا رسول الله ؟ قال إيمان بالله ورسوله قيل ثم أي ؟ قال : جهاد في سبيل الله ٌ. قيل ثم أي ؟ قال حج مبرور . ُوالمجاهد قد تعاقد مع الله " إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ العظيم . التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ " والمجاهد تاجر مع الله " يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ."
· أحب المساكين وجالسهم : وهذه خصلة من خصال الأنبياء فهذا رسول الله عليه وسلم يوصي بالمساكين خيرا فقد روي الترمذي عن انس رضي الله عنه عن النبي " اللهم أحيني مسكينا وامتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين " وقد ذكر بن كثير وبن تيمية ضعف الحديث وعلي فرض صحته فإن المسكنة تعني الخشوع والتواضع والإخبات . وروي الإمام أحمد عن أبي هريرة شكي رجل لرسول الله صلي الله عليه وسلم قسوة قلبه فأوصاه الرسول أن يمسح علي رأس اليتيم " . وهذا نبي الله سليمان دخل المسجد فوجد مسكينا فجلس معه وقال له مسكين جالس مسكين . وهذا نبي الله موسى سأل ربه يا الهي أين أبغيك ؟ قال : عند المنكسرة قلوبهم . قال : وكيف أعلم رضاك عني ؟ فقال انظر رضا المساكين عنك .. ولكن للأسف الشديد في هذه الأيام أن بعض الناس ممن أعمي الحقد أبصارهم . وأصم الكبر قلوبهم يدوسون المساكين بأقدامهم وأي جريمة اقترفوها ؟ لا شيء غير أنهم مساكين وصدق من قال :
يمشي الفقير وكل شيء ضده والناس دونه تغلق أبوابــها
وتراه ممقوتا وليس بمذنب ويري العداوة لا يري أسبابها
حتى الكلاب إذا رأت يوما غنيا حنت إليه وحركت أذنابــها
وإذا رأت يوما فقيرا نبحت عليه وكشرت أنيابها
· انظر إلي من هو تحتك ولا تنظر إلى من هو فوقك فهو أجدر ألا تزدري نعمة الله عليك : وهنا ينبغي أن نفرق بين أمرين النظر في أمر الدنيا والنظر في أمر الدين . ففي أمر الدين انظر إلى من هو أعلي منك فذلك أدعي لشحذ الهمة والنهوض للقمة وفي ذلك فليتنافس المتنافسون . وقد روي البخاري عن لا حسد إلا في اثنين رجل آتاه الله مالا فهو ينفقه في سبيل الله ورجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار . أما في أمر الدنيا انظر إلى من هو تحتك تعرف نعمة الله عليك وهذا يؤدي لأمور : الرضا بقسمة الله : واسمع لربك " عبدي إن رضيت بما قسمته لك أرحت قلبك ونفسك وبدنك وكنت عندي محمودا وإن لم ترض بما قسمته لك سلطت عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحوش في البرية ولا ينالك منها إلا ما قسمته لك وكنت عندي مذموما " وفي حديث آخر " من لم يرض بقضائي ولم يصبر علي بلائي ولم يشكر علي نعمائي فليخرج من تحت سمائي وليلتمس له ربا سواي "، الشكر : وشكر النعمة أن تعرف أن المنعم هو الله وأن تستخدمها فيما خلقت من أجله وصدق من قال إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
وداوم عليها بشكر الإله فإن الإله سريع النقم
· قل الحق ولو كان مرا ولا تخف في الله لومة لائم : تعني هذه الوصية أن تقول الحق ولو علي نفسك أو الوالدين والأقربين "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً " . ولا يحملنك بغض الشخص أن تغير الحق "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " .وتمسكك بالحق ولو عند سلطان جائر جهاد بل أفضل الجهاد يروي الإمام الترمذي رحمه عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال صلي الله عليه وسلم " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر " . أما أن يحملك الخوف علي أن تبديل الحق فهذا ما لا يكون واسمع لربك " يا بن آدم لا تخش من سلطان مادام سلطاني با قيا وسلطاني لا ينفد أبدا . يا بن آدم لا تخش من ضيق الرزق ما دامت خزائني ملئانة وخزائني لا تنفد أبدا . يا بن آدم لا تأنس بغيري وأنا لك فإنك إن طلبتني وجدتني وإن آنست بغيري فتك وفاتك الخير كله يا بن آدم خلقتك للعبادة فلا تلعب وقسمت لك رزقك فلا تتعب إن كثر فلا تفرح وإن قل فلا تجزع " .
· ليردك عن الناس ما تجد في نفسك : لتنشغل بعيوبك عن عيوب الناس فطوبي لعبد شغله عيبه عن عيوب الناس فكل بن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون . ومن جميل ما يروي أن لصا دخل منزل رابعة العدوية ليسرق منه فلم يجد إلا إبريق فلما أراد الخروج قالت له إن كنت ذكيا لا تخرج إلا بشيء . فقال : لم أجد شيئا . قالت توضأ يا مسكين وادخل الحجرة وصل ركعتين ففعل فرفعت أكف الضراعة إلى رافع السماء بلا عمد وقالت : إلهي هذا عبد أتى ببابي فلم يجد شيئا ولكني أوقفته ببابك فلا تحرمه من فضلك وثوابك . فلما فرغ لذت له العبادة فأخذ يصلي حتى آخر الليل .فلما كان وقت السحر دخلت عليه فوجدته ساجدا يقول : إذا ما قال لي ربي أما استحييت تعصيني وتخفي الذنب من خلقي وبالعصيان تأتيني فما قولي له لما يعاتبني ويقصيني فلما انتهي قالت له كيف كانت ليلتك ؟ قال وقفت بيت يدي مولاي بذلي وافتقاري فقبل عزري وجبر كسري . فقالت إلهي هذا عبدك وقف بين يديك ساعة فقبلته وأنا عرفتك بين يديك فهل قبلتني " ..أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.
الثانية :
لا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف ولا حسب كحسن الخلق .
· لا عقل كالتدبير : التدبير هو النظر في عواقب الأمور وما سوي ذلك حماقة . فكم من أناس هلكوا بسبب حماقتهم . يروي أن الأصمعي قال لرجل أترضى أن يكون لك 100.000 درهم وأنت أحمق ؟ قال : لا أخشى أن يكون حمقي سبب ضياع مالي فيذهب مالي ويبقي حمقي وصدق من قال :لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها
· ولا ورع كالكف : يكف المسلم أذاه عن الناس فلا يؤذيهم بلسانه ولا بيده ولا بأي لون من ألوان الأذى روي الشيخان عن فضالة بن عبيد قال : قال صلي الله عليه وسلم " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده "روي البيهقي عن أنس قال: قال رسول الله " ثلاث من لم تكن فيه واحد منهن فلا تعتدوا بعمله تقوي تحجزه عن محارم الله . حلم يكف به السفيه . خلق يعيش به بين الناس " وإلا صار ظالما واسمع لربك "يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سبيلا يا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلا ًلَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً " .
· ولا حسب كحسن الخلق : حسن الخلق به كمال الإيمان روي الإمام أحمد وأبو داوود سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم أي المؤمنين أكمل إيمانا قال أحسنهم خلقا كما أن حسن الخلق يبلغ الدرجات العلي يروي الإمام أبو داوود قال صلي الله عليه وسلم " أن المؤمن ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم "