بسم الله الرحمن الرحيم
الزواج العرفي
جامع المصطفي : يوم الجمعة 11/4/2008 م
الحمد لله رب العالمين . خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا . وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً . وكَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا . أحمد الله وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأستعين به وأستنصره وأسأله الفوز بالجنة والنجاة من النار . وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شرفه وفضله وزينه وجمله واصطفاه واجتباه ووفقه وهداه فكان صفوة المصطفين الأخيار . اللهم صل وسلم وبارك علي رسول الله محمد خير عبادك وعلي آله وصحبه وكل مسلم آمن بآيات ربه ففاز بقربه وتمتع بحبه وسار علي دربه ونهجه إلي يوم الدين . أما بعد فأوصيكم وإياي عباد الله بتقوى الله وأحذركم ونفسي من عصيان الله ثم أستفتح بالذي هو خير . يقول الله تبارك وتعالي وأصدق القائلين " بسم الله الرحمن الرحيم " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ".عباد الله أيها المسلمون :ـالإسلام لا يحارب سنن الفطرة ولا يستقذرها . وإنما ينظمها ويضع لها منهجا قويما . ومن سنن الفطرة الزواج . فالزواج آية من آيات الله . وسنة من سنن رسول الله صلي الله عليه وسلم . وبيت الزوجية مملكة إيمانية ملكها الزوج بما له من القوامة واسمع لربك " الرجال قوامون علي النساء بما فضل الله بعضهم علي بعض وبما أنفقوا من أموالهم ". والزوجة ملكة متوجة بقول الله " فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ". وأما الرعية فهم ثمرة الفؤاد وفلذة الأكباد وزينة الحياة الدنيا وصدق الله" المال والبنون زينة الحياة الدنيا ". وهذه المملكة إن نشأت في ظل منهج رب البرية وسيد البشرية آتت أكلها كل حين بإذن ربها . ولن يكون ذلك كذلك إلا بالزواج الشرعي المعروف علي كتاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم . أما ما يسمي بالزواج السري ( العرفي ) فباطل شرعا وعرفا. تعالوا نقف مع ظاهرة الزواج العرفي حقيقته وحكم الإسلام فيه وأسبابه وكيف العلاج . أما عن صورته فهو اجتماع بين رجل وامرأة بورقة واثنين شهود . يبدأ الأمر بوجود جو من التعارف اللاشرعي بين امرأة فتاة مستهترة متبرجة كاشفة غير محترمة عرفت بعطرها الأخاذ وثيابها الضيق ورجل شاب مستهتر عرف بعلاقاته المشبوهة وكلمات الحب الزائفة التي تعلمها من روايات العشق والغرام . يلتقيان في غياب الرقابة من أهليهما وانعدام ضميريهما . يلتقيان وثالثها الشيطان فيقسم لها أقساما أنه لا ينام الليل من أجلها وأن حبها قد أحرق قلبه وأنه يريد الزواج بها ولكن الظروف لا تسمح الآن . ولا حل لهذه المشكلة إلا بالزواج العرفي بورقة واثنين شهود إلي أن تتحسن الأمور فيعلن الزواج . ويشهد علي هذا الزواج اثنان . يشهدان له اليوم و يشهد لهما غدا علي زواج مشابه . من باب شهدني وأشهدك . والله المستعان . ويقع الزواج بدون علم الولي وهنا نقول[أي عقد يباركه الولي ويشهد عليه الشهود ويعلن فهو صحيح ] حتى لو لم يوثق في وثيقة رسمية عند مأذون لأن وثيقة الزواج الرسمية ليست شرطا لصحة الزواج فهي من باب المصالح المرسلة التي تضمن حقوق النساء في زمن خربت فيه الذمم واضمحلت فيه الأمانة . أما عن حكم الإسلام في هذا الزواج فهو باطل عرفا وشرعا . أما عرفا فلا يقول عاقل بصحة هذا الزواج ولو قال المغرضون بصحته فلماذا يخفونه ولا يعلنونه . ولماذا يكون في الظل ؟ إذا ما هو إلا زنا تحت دعوة زواج . وصدق من قال :عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم
من يزن في بيت بألفي درهم في بيته يزني بغير الدرهم
من يزني يزني به ولو بجداره إن كنت يا هذا لبيبا فافهم
إن الزنا دين إن أقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
يا هاتكا ستر الرجال وقاطعا سبل المودة عشت غير مكرم
لو كنت طاهرا من سلالة طاهر ما كنت هتاكا لحرمة مسلم
كما أنه باطل شرعا لأن عقد الزواج عقد له قدسيته فلا يصح إلا بالقبول والإيجاب والإعلان والولي والمهر والشهود . أما القبول والإيجاب فهما ركنان لا يصح العقد إلا بهما ويعنيان قيام الزواج علي القبول والتراضي بين الطرفين وجمهور العلماء علي صحة الزواج بأي صيغة . أما الولي والإعلان والمهر والشهود فمن شروط صحة العقد . فأما الولي : فلا يصح العقد مطلقا إلا بولي وهو والد الزوجة أو من يقوم مقامه عند موته أو غيابه والأدلة علي ذلك كثيرة اسمع لربك "وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ" قال الشافعي رحمة الله وهذه الآية هي أبين ما في القرآن كله على أنه لا نكاح إلا بولي . وستعجبون إذا علمتم سبب نزول الآية فلقد نزلت في حق معقل بن يسار لما زوج أخته لرجل وأحسن إليه لكن الرجل طلقها ولما انقضت عدتها جاء الرجل مرة أخرى ليرد المرأة فقال له معقل زوجتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت تخطبها والله لا تعود إليك أبداً وكان رجلاً لا بأسبه وكانت الأخت تريد أن ترجع إليه فنزل قول الله تعالى علي النبي المصطفى "وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ " أي فلا تمنعوهن أن ينكحن أزواجهن فلما سمع معقل الآية قال الآن أفعل يا رسول الله فأنكحها إياه . استدل جمهور المفسرين بهذه الآية على أنه لا يجوز للمرأة أن تزوج نفسها أو أن تزوج غيرها ولو كانت ثيباً. والدليل الثاني " و أنكحوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ" وانكحوا خطاب من الله لأولياء المرأة واستدل جمهور المفسرين والإمام البخاري بهذه الآية على أنه لا نكاح ألا بولي . والدليل الثالث "فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ " فهذا أمر من الله أن يكون النكاح بإذن الولي . والدليل الرابع "وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ " وهذه الآية أيضاً خطاب من الله لأولياء المرأة . لذلك قال جمهور المفسرين الذين فسروا الآيات ( لا نكاح إلا بولي ) . وهذا رسول الله صلي الله عليه وسلم فيما يرويه الإمام أحمد والترمذي رحمهما الله من حديث أبو موسى الأشعري أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال "لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ" . وروي الإمام أحمد والترمذي أيضا من حديث السيدة عائشة أن النبي قال" أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ" . أما أن تزوج المرأة نفسها فباطل روي الإمامان البيهقي والطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال " لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا " .أما الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم " الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذَنُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا " . قال جمهور أهل العلم في معناه أنه لا يجوز لولي المرأة الثيب أن يزوجها رغماً عنها بل لا يجوز له أن يزوجها ألا بأمرها و رضاها فإن زوَّجها رغماً عنها فلها أن تفسخ النكاح واستدل العلماء على ذلك بالحديث الصحيح الذي رواه البخاري وأحمد من حديث خنساء بنت خدام أن أباها زوجها وكانت ثيباً فكرهت المرأة ذلك وذهبت للنبي فاشتكت له فرد النبي نكاح والدها . وأما قول الإمام أبي حنيفة بجواز أن تزوج المرأة نفسها بدون إذن وليها قياسا علي جواز بيع سلعتها فهو قياس فاسد الاعتبار بإجماع علماء الأصول لأنه قياس مع نص قرآني وحديث نبوي والقاعدة الأصولية باتفاق وإجماع العلماء تقول "لا قياس مع النص". والأعجب أن الأحناف أنفسهم خالفوا الإمام في هذا القول فقد ذكر الطحاوي في شرح معاني الآثار أن أبا يوسف ومحمد قالا " لا يجوز للمرأة أن تزوج نفسها أو أن تزوج غيرها ولا يصح الزواج إلا بولي " . وأما الإعلان فنكاح السر مفتقد للإعلان قال بن تيمية رحمه الله هو نكاح الخدن والعشيقة والله نهي عن ذلك فقال " ولا متخذات أخدان " . ويروي الإمام احمد والطبراني رحمهما الله عن عبد الله بن الزبير أن رسول الله قال "أعلنوا النكاح" . وأما المهر فلابد منه لقوله تعالي "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة لذلك لا يجوز لامرأة أن تهب نفسها لرجل بلا مهر وأما قوله تعالي وامرأة مؤمنة وهبت نفسها للنبي "فهذا خاص بالنبي دون غيره لما جاء في الصحيحين عن سهل بن سعد الساعدي ( أنه لما وهبت نفسها للنبي نظر إليها ثم طأطأ رأسه فلما لم يقض بشيء فقام رجل من أصحابه فقال يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها فقال فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ فقال لا والله يا رسول الله فقال اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئاً ؟ فذهب ثم رجع فقال لا والله ما وجدت شيئاً فقال رسول الله التمس وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فذهب ثم رجع فقال لا والله يا رسول الله ولا خاتماً من حديد ولكن هذا إزاري قال سهل ما له من رداء فلها نصفه فقال رسول الله مَا تَصْنَع بِإزَارِكَ ؟ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام فرآه رسول الله مُولياً دعاه فلما جاء قال مَاذَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ؟ قال : معي سورة كذا وسورة كذا (عدَّدها) فقال تَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْر قَلْبِكَ؟ قال : نعم . قال اذْهَبْ فَقَدْ مُلِّكْتَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ) . وأما الشهود فقد روي الإمامان البيهقي والطبراني رحمهما الله عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله "لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ عدل " وشرط العدالة الإسلام و البلوغ والعقل وعدم الفسق . وتأتي النهاية بسرعة عند أول محطة عندما تحمل ويظهر حملها يكون أول المتنكرين لها فيقول لها وما يدريني أن هذا ابني ويقطع علاقته بها فتكون النهاية المأساوية لها .أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم .الثانية :يرجع هذا الأمر لأسباب منها : البعد عن الله واسمع لربك "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ومنها غياب دور الأسرة وانعدام الرقابة علي الأهل مراقبة تصرفات الأبناء واسمع لربك "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة " وفي الصحيحين عن بن عمر أن الرسول قال " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته "ومنها المغالاة في المهور ونفقات الزواج وقد قال النبي " يسروا ولا تعسروا " وقال "إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه " ومنها الاختلاط والخلوة قال احد المفكرين علي قدر كثرة الاختلاط يكثر أولاد الزنا . لا حل إلا بالصلح مع الله .التوبة إلي الله . الزواج علي شرع الله وسنة رسول الله .