بسم الله الرحمن الرحيم
سبعة يظلهم الله في ظله
ا لحلقة الثانية . المنصورة في يوم 15/2/2008
الحمد لله الذي جعل المؤمنين أخوة في الإيمان . وشبههم في دعم بعضهم بعضا بالبنيان . وشرع لهم من الأسباب ما تقوم به الأخوة علي مدي الزمان . أحمد الله وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأستعين به وأستنصره وأتوكل في جميع الأمور عليه . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شرفه وفضله وزينه وجمله فكان أقرب المقربين إليه . اللهم صل وسلم وبارك علي رسول الله محمد خير عبادك وعلي آله وصحبه وكل مسلم آمن بآيات ربه ففاز بقربه وتمتع بحبه وسار علي دربه ونال عظيم الأجر . أما بعد فأوصيكم وإياي عباد الله بتقوى الله عز وجل وأحذركم ونفسي من عصيان الله ثم أستفتح بالذي هو خير . يروي الشيخان الجليلان البخاري ومسلم رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قبله معلق بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه " .عباد الله أيها المسلمون :ـ تناولنا في الجمعة الماضية الإمام العادل والشاب الذي نشأ في عبادة الله والرجل الذي قلبه معلق بالمساجد .واليوم . ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه :ـالمحبة :ـ هي ميل القلب إلي كل ما يرضاه ويستحسنه لوجود باعث لذلك . وقد يكون الباعث هو الطبع الجسماني مثل محبة الإنسان للصور الحسنة وقد يكون الباعث عقلي فيحب من أجل كمال عقلي أو كمال صفاتي أو منفعة . وأرقي هذه الأنواع أن يكون الباعث علي الحب هو مرضاة الله . فيحب أخاه إن كان علي الحق وكان من أهل الاستقامة . فيكون حبه خالصا كتب له البقاء فما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله زال وانقطع وانفصل . وينزل من أحب منزلة نفسه وصدق من قال :إننا أنا أنت وأنت أنا اثنان حللنا بدنا
ويصح في ذلك ماري الشيخان الجليلان البخاري ومسلم رحمهما الله عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي " . ولا يكون الباعث عليه هو الدنيا وتحقيق المصالح والرياء فيكون علي حد قول القائل :صلي وصام لأمر كان يطلبه فلما قضي ما كان يطلبه لا صلي ولا صام
وفي الوقت نفسه يفارق ويكره أهل الكفر والفسوق فهذا من كمال الإيمان روي الإمام أبو داوود رحمه الله عن أبي أمامة رضي الله عنه قال . قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " من أحب لله وأبغض لله فقد استكمل الإيمان ". وعند ذلك يشعر بحلاوة الإيمان روي الخمسة إلا أبو داوود عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال . قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود إلي الكفر كما يكره أن يقذف في النار .والمحبة من وسائل التأسي بالصالحين في هديهم ثم هي من أسباب مرافقتهم في الجنة ولو لم يصل المحب إلي درجتهم في العمل فمن فاته بعض الكمال فلا يفوتنه محبة أهل الكمال يروي الشيخان الجليلان البخاري ومسلم رحمهما الله أن رجلا جاء للنبي صلي الله عليه وسلم فقال متي الساعة ؟ فقال ماذا أعددت لها ؟ قال ما أعددت لها كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله فقال له الرسول صلي الله عليه وسلم أنت مع من أحببت . قال أنس فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلي الله عليه وسلم أنت مع من أحببت . فقال أنا أحب النبي وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بعملهم " .وهناك أسباب تدعو للمحبة مثل صلاة الجماعة . وحضور الجمعات . وحضور مؤتمر الحج وكذلك إفشاء السلام ويصح في ذلك ما روي الشيخان الجليلان البخاري ومسلم رحمهما الله عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم علي شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم " . ومنها الهدية فقد الإمام البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها "كان النبي يقبل الهدية ويثيب عليها " . روي الإمام الديلمي رحمه الله عن أنس قال رسول الله " تهادوا تحابوا فإن الهدية تورث المحبة وتزيل الضغينة " . وروي الطبراني عن عائشة قال رسول الله " تهادوا تحابوا "وللمحبة القائمة علي الأخوة فضل عظيم وشرف جسيم عند رب الأنام فوجوههم نور يوم القيامة يروي الإمام أبو داوود عن رسول الله قال : إن من عباد الله أناس ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة فقالو أخبرنا عنهم يا رسول الله فقال هم قوم تحابوا علي غير أرحام بينهم عن وجوههم لنور وإنهم لعلي نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس " . والله يحبهم يروي الإمام مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إن رجلا زار أخا له في قرية فأرصد الله له علي مدرجته ملكا فلما أتي عليه قال أين تريد ؟ قال أريد أخا لي في قرية كذا قال له هل لك حاجة تربها عنده قال له لا غير أني أحببته في الله قال له إذا فأنا رسول الله إليك أخبرك أن الله يحبك كما أحببته فيه " . كما أن الله يناديهم ويظلهم في ظله يروي الإمام مسلم رحمه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول الله تعالي أين المتحابون في جلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي "ويشترط في من تحب أن تكون الأخوة خالصة لله خالية من شوائب الدنيا . وأن تكون الأخوة مقرونة بالإيمان والتقوى واسمع لربك "إنما المؤمنون إخوة " واسمع كذلك " الأخلاء بعضهم يومئذ لبعض عدو إلا المتقين " . ويروي الإمام الترمذي رحمه الله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال . قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي " . وأن تكون الأخوة قائمة علي النصح لله روي الشيخان عن جرير بن عبد الله قال بايعت رسول الله علي إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم ". وأن تكون متعاونة علي السراء والضراء واسمع لربك "وتعاونوا علي البر والتقوى ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان "وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم من كان عنده فضل ظهر فليعد بع علي من لا ظهر له ومن كان عنده فضل زاد فليعد به علي من زاد له " .ولتعميق هذه المحبة وسائل : منها عند الحب يخبر المسلم أخاه أنه يحبه يروي الإمام أبو داوود عن النبي صلي الله عليه وسلم " إذا أحب المسلم أخاه فليخبره أنه يحبه " ويروي الإمام أبو داوود عن أنس رضي الله عنه قال أن رجلا كان عند النبي فمر رجل به فقال يا رسول الله إني لأحب هذا قال له الرسول هل أخبرته فقال لا إذهب فأخبره فقال له إني أحبك في الله فقال الرجل أحبك الذي أحببتني فيه " عند المفارقة يطلب منه الدعاء بظهر الغيب يروي الإمام أبو داوود عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال استأذنت النبي صلي الله عليه وسلم في العمرة فإذن لي وقال لا تنسنا يا أخي من دعائك "وروي الإمام مسلم رحمه الله عن النبي صلي الله عليه وسلم قال :ما من مسلم يدعو لأخيه المسلم بظهر الغيب إلا قال الملك آمين ولك بمثل " .وأن يلقاه بوجه طلق روي الإمام مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال . قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلق أخاك بوجه طلق " . ويبادر بالمصافحة روي الإمام أبو داوود عن البراء رضي الله عنه قال . قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا " .وأن يهنئه ويدخل السرور علي قلبه كلما وجد مناسبة لذلك روي الإمام الطبراني رحمه الله عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال . قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " من لقي أخاه بما يحب ليسره ذلك سره الله عز وجل يوم القيامة ". فعند المولود يقول له بورك في الموهوب وشكرت الواهب ورزقت بره وبلغ أشده ، وعند القدوم من سفر يقول له الحمد لله الذي سلمك وجمع بك الشمل وأكرمك ، وعند القدوم من حج يقول له قبل الله حجك وغفر ذنبك وأخلف نفقتك وعند الزواج يقول له بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير ".الثانية :ـيقول الله تعالي " والذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " وري الإمام مسلم رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال . قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " حقوق المسلم علي أخيه المسلم ست إذا قابله سلم عليه وإذا دعاه أجابه وإذا نصحه قبل النصيحة وإذا عطس شمته وإذا مرض زاره وإذا مات شيع جنازته " . وروي الإمام القرطبي عن العدوي قال انطلقت يوم اليرموك أطلب بن عم لي ومعي شيء من الماء وأنا أقول إن كان به رمق سقيته فإذا أنا به فقلت أسقيك فأشار برأسه نعم فإذا برجل آخر يقول آه آه فقلت اذهب إليه فهو أولي مني فإذا هو هشام بن العاص فقلت أسقيك فقال نعم فسمع آخر يقوا آه آه فقال هشام انطلق إليه فانطلق فإذا هو قد مات فعاد للثاني فإذا هو قد مات فعاد للأول فإذا هو قد مات ولم يشرب أحد للإيثار .