بسم الله الرحمن الرحيم
سبعة يظلهم الله في ظله
جامع المصطفي : 8/2/2008 م
الحمد لله رب العالمين أكمل الدين وأتم النعمة علي المسلمين . فمن زاد أو استزاد فقد زاغ وحاد وتعدي وظلم . أحمد الله وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأستعين به وأستنصره وأتوكل في جميع الأمور عليه . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شرفه وفضله وزينه وجمله فكان أقرب المقربين إليه . اللهم صل وسلم وبارك علي رسول الله محمد خير عبادك وعلي آله وصحبه وكل مسلم آمن بآيات ربه ففاز بقربه وتمتع بحبه وسار علي دربه ونال عظيم الأجر . أما بعد فأوصيكم وإياي عباد الله بتقوى الله عز وجل وأحذركم ونفسي من عصيان الله ثم أستفتح بالذي هو خير . يروي الشيخان الجليلان البخاري ومسلم رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قبله معلق بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه " متفق عليه .عباد الله أيها المسلمون :ـأبو هريرة : هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي أسلم سنة 6 هـ وقدم المدينة سنة 7هـ وكان الرسول في خيبر فصادف قدومه مجيء النبي صلي الله عليه وسلم . كان اسمه في الجاهلية عبد شمس فغيره النبي إلي عبد الرحمن . وكناه بأبي هريرة لأنه كان له هر يلازمه كظله . وكان من أهل الصفة بل كان عريف أهل الصفة . روي عن النبي 5374 حديث وما ذلك إلا لأنه كان المهاجرون في تجارتهم والأنصار في زراعتهم وأبو هريرة عاكفا علي رسول الله صلي الله عليه يأخذ عنه الحديث . ففي ذات يوم قال الرسول من يبسط رداءه فيأخذ عني الحديث فلم ينس فقال أبو هريرة أنا يا رسول الله فبسط رداءه والرسول يحدث يقول فلم أنس شيئا مما قاله الرسول صلي الله عليه وسلم . وقال عن نفسه ما من أحد يسمع بي ولا أمي إلا أحبنا وما ذلك إلا لأن الرسول دعي لأمه فآمنت ودعي لهما بحب الناس فاستجاب الله . ويشهد التاريخ علي زهده رضي الله عنه فيروي أنه كان يتكئ علي الأرض من الجوع ففي يوم استوقف أبا بكر ليسأله عن آية وما يهدف من ذلك إلا ليطعمه لكنه لم يلحظ ذلك ففعل مع عمر وعثمان فلم يلحظا ذلك حتى جاء رسول الله صلي الله عليه وسلم بأبي هو وأمي بالمؤمنين رءوف رحيم . فأخذه إلي داره فوجد لبن صدقة فقال اذهب فادع أهل الصفة فدعاهم فشربوا وهو ينظر فلم يبق إلا قليل فوضع الرسول يده الشريفة في اللبن ففاض اللبن فشرب وشرب والرسول يقول اشرب حتى قال أبو هريرة والذي بعثك بالحق ما أجد له مسلكا . ثم شرب الرسول من الفضلة . وقد عوض الله عليه خيرا ووسع عليه حتى صار له خادم وقال أصبت في دنياي بثلاث موت الرسول ومقتل عثمان والمزود قالو وما المزود يا أبا هريرة قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فأصاب الناس مخمصة فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أبا هريرة هل من شيء ؟ قلت نعم . شيء من تمر في المزود ، فقال : ائتني به فأتيته به فأدخل يده فأخرج قبضة فبسطها ثم قال : ادع لي عشرة فدعوت عشرة فأكلوا حتى شبعوا فما زال يصنع ذلك حتى أطعم الجيش كله وشبعوا ثم قال خذ ما جئت به وأدخل يدك وأقبض ولا تكبه قال أبو هريرة رضي الله عنه : فقبضت على أكثر مما جئت به ثم قال أبو هريرة ألا أحدثكم كم اختلفا منه حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياة أبي بكر وأطعمت وحياة عمر وأطعمت وحياة عثمان وأطعمت فلما قتل عثمان رضي الله عنه انتهبت يعني المدينة وذهب المزود .. استعمله عمر علي البحرين . ومات عن عمر قدره 78 سنة ولخص حياته فقال ولدت يتيما وهاجرت مسكينا وكنت أسيرا عند بسرة بنت غزوان بطعام بطني . ثم تزوجتها فالحمد لله الذي جعل الدين قواما وجعل أبا هريرة إماما . وفي هذا الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم يبين فيه الرسول الشرف والكرامة التي نالها هؤلاء السبعة . وما ذلك إلا لما قدموه من إحسان فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان . وفي ذلك شحذ لهممهم وذلك فليتنافس المتنافسون . وحفز لغيرهم وصدق من قال تشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالرجال فلاح
ويظهر الحديث ميزة تطير لها النفوس شوقا وهي الظل وقد يكون ظل حقيقي تحت العرش ويصح في ذلك ما روي الإمام أحمد رحمه الله عن المقداد بن الأسود رضي الله تعالي عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " تدنو الشمس يوم القيامة من رؤوس الخلائق فيكون بينها وبين العباد كمقدار الميل الواحد فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حقويه ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً" . وقد يكون الرحمة والكنف فيكونون في كنف الله ورحمته يوم القيامة وهذا هو الظل الظليل واسمع لربك " وندخلهم ظلا ظليلا " فهو ظل يثلج الصدور بعكس الكفار فهم " في ظل من يحموم لا بارد ولا كريم " . واقتصر الحديث علي السبعة دون غيرهم لمكانة هؤلاء السبعة دون غيرهم ولأهمية ما يقومون به في الإسلام . وذكر الحديث الرجال وليس ذلك تخصيص لهم بل يشمل النوعين الرجال والنساء وذكر الرجال للغلبة واسمع لربك " لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثي بعضكم من بعض " وروي الإمام أحمد عن النبي صلي الله عليه وسلم " النساء شقائق الرجال " .# إمام عادل :ـ أول السبعة إمام عادل وهو السلطان أو الحاكم أو القاضي . أو هو من يتولى أمور غيره فيقوم بالأمر بعدالة ويضع المسؤولية في مكانها من غير إفراط ولا تفريط فلا يفرق من أجل مذهب أو جنس أو دين آو عصبية أو قرابة أو صداقة واسمع لربك " ياداوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب " ولا يفرق من أجل كره ولا محبة " ولا يجرمنكم شنئان قوم علي أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ". هذه هي العدالة المطلقة التي من أجلها أرسل الرسل " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ". ومهمة الإمام العادل أداء الحقوق ونصر المظلوم وإعطاء كل ذي حق حقه وعلي هذا النحو كان الخلفاء الراشدون فهذا أبو بكر رضي الله عنه يقول إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني فيقولون رضيك رسول الله لديننا أفلا نرضاك لدنيانا " وهذا عمر يقول إن نمت ليلا ضيعت نفسي وإن نمت نهارا ضيعت الرعية ولو عثرت بغلة في العراق لسئلت عنها لماذا لم تصلح لها الطريق يا عمر . ويعدل وينام تحت شجرة فيراه أعجمي فيقول حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر .# شاب نشأ في عبادة الله : وهو ذلك الشاب الذي نشا علي طاعة الله وترعرع علي ذلك حتى توفاه الله رب العالمين . وقد عني الإسلام بالشباب عناية كبيرة لأسباب لأن الشباب مظنة الشهوة وهمه الشهوة بصرف النظر عن الحلال والحرام . وعلي كاهله وعاتقه تبني الأمم والجماعات والحضارة الإسلامية . ومن شب علي شيء شاب عليه وصدق من قال : وينشأ ناشئ الفتيان منا علي ما كان عوده أبـــــوه
وليس يدين الفتي بحجي ولكن يعوده التدين أقربوه
كما أن الشباب مفسدة وصدق من قال : إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدةلذلك من ربي ولده صغيرا سر به كبيرا . وتتمثل عناية الإسلام بالشباب في أمور : ففي القرآن ( يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم ومن الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهن جناح بعدهن " وهذا رسول الله صلي الله عليه وسلم فيما رواه الجماعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله قال " مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع " وروي الإمام الترمذي عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " ما نحل والد ولده خير من حسن أدب . والمعلم يعلم نفسه قبل أن يعلم غيره قال عمرو بن عتبة لمعلم ولده ليكن أول أمر تصلح به ولدي أن تصلح نفسك فإن عيونهم معقودة عليك فالحسن ما فعلت والقبيح ما تركت وبذلك يصلون إلي المثالية المطلقة التي باركها رب العالمين فقال " إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدي " . ويستحق أن يرقي للملائكة . جاء في الجامع للعلوم والحكم لابن رجب قال يزيد بن ميسرة يقول الله في بعض الكتب أيها الشاب التارك لشهوته المتبذل في شبابه من أجلي أنت عندي كبعض ملائكتي" .الثانية :رجل قلبه معلق بالمساجد : وهو الرجل الذي يصلي الصلاة ولا يخرج حتى يصلي التي بعدها . ولم يكد يذهب البيت حتى يعود وقلبه معلق بالمسجد كلما خرج عاد إليه ليجدد إيمانه . وقد عني به الإسلام فوصفه القرآن بالرجولة فقال " في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع ذكر الله وإقام الصلاة " . و حكم عليه الرسول بالإيمان فقال فيما رواه الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي قال: إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان واسمع لربك " إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتي الزكاة ولم يخش إلا الله فعسي أولئك أن يكونوا من المهتدين " . فاستحق أمور: الكرم جاء في الحديث القدسي " بيوتي في الأرض المساجد وإن عمارها زواري وكان حقا علي المزور أن يكرم زائره " . ، النور التام الإمامان الترمذي وأبو داوود وحسنه الألباني من حديث أنس " بشر المشاءين في الظلم إلي المساجد بالنور التام يوم القيامة " .، النزل وجاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " من غدا إلي المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح ".