أبو الزهراء المدير العام
عدد الرسائل : 560 العمر : 58 تاريخ التسجيل : 29/01/2007
| موضوع: ثم استقم الخميس يونيو 16, 2011 11:06 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم الاستقامة 18/6/2011 م ـ الحمد لله رب العالمين مسبب الأسباب الرحمن الرحيم راحم المؤمنين ومنزل الكتاب مالك يوم الدين ملكه لا يفني وهو سريع الحساب إياك نعبد عبادة عبد أخلص في عبادته لمولاه وإياك نستعين نطلب منك العون علي العبادة يا الله اهدنا الصراط المستقيم طريق لا عوج فيه ولا ضلال صراط الذين أنعمت عليهم بنعم الدنيا والآخرة غير المغضوب عليهم ولا الضالين الذين ضلوا عن طريقك طريق الحق يا الله أمين .أحمد الله وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأستعين به وأستنصره وأسأله النجاة من النار وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شرفه وفضله وزينه وجمله فكان صفوة المصطفين الأخيار اللهم صل وسلم بارك علي رسول الله محمد خير عبادك وعلي آله وصحبه وكل مسلم لآمن بآيات ربه ففاز بقربه وتمتع بحبه وسار علي دربه إلي يوم الدين أما بعد فأوصيكم وإياي عباد الله بتقوى الله وأحذركم ونفسي من عصيان الله ثم أستفتح بالذي هو خير يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين بسم الله الرحمن الرحيم "إن الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وابشروا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُون نَزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ". عباد الله أيها المسلمون :ـ ـ هذه آية من كتاب الله رب العالمين . يقرر فيها رب العزة لعبادة الطائعين وعدا بجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر . فضلا عن ذلك تتلقاهم الملائكة بالبشارات فيقولون لهم لا تخافوا ولا تحزنوا . ويقولون لهم نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة . لكن ذلك مشروط بشرطين أن يقولوا ربنا الله قولا باللسان يطابق ما في الجنان وأن يستقيموا علي الأيمان فالأيمان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح والأركان صح في ذلك ما روي الإمام البخاري رحمه الله عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال صلي الله عليه وسلم "ليس الإيمان بالتمني ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل وإن قوما غرتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم وقالوا نحن نحسن الظن بالله وكذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل ". ـ إخوة الإسلام: الاستقامة لغة الاعتدال ومعناها شرعا سلوك الصّراط المستقيم والدّين القويم الذي لا عوج فيه ولا ضلال من غير إفراط ولا تفريط . ويشمل ذلك فعل الطّاعات كلّها الظّاهرة والباطنة وترك المنهيّات كلها الظاهرة والباطنة . وهي بذلك تستوعب الأصول والفروع فلا تترك عملا من أعمال الجوارح ولا حالا من أحوال القلوب ولا نظرا من أنظار العقيدة إلا أتت عليه وذلك يكون في الأخلاق والآراء والأعمال. فاستقامة الرأي تعني:أن يكون المرء في تفكيره بين الخبث والبله فلا يكذب بعد برهان كأهل الإلحاد المنكرين ولا يصدق بغير برهان كأهل الخرافات المشعوذين . واستقامة الأخلاق تعني:أن يكون في شهوته بين الجمود والشره وفي غضبه بين الجبن والتهور فيكون عالي الهمة في تواضع ذا حمية في تثبت قنوعا في سخاء. واستقامة الأعمال تعني :هو أن لا تعطي نفسك كل مقتضي شهوتها وغضبها فتكون من المسرفين الذين لا يبالون باقتحام ظاهر الإثم وباطنه ولا تحرمها من كل ما طمحت إليه فتكون من الرهبانيين الذين ينسون نصيبهم من الدنيا . بل تأخذ من الطرفين ما يستحسنه الشرع والعقل .فكل ما لم يصل إلي الطرفين يسمي توسطا واعتدالا وهذه هي استقامة العوام وإنها لكبيرة إلا علي الخاشعين وأما التوسط الحقيقي هو الأخذ بأوسط الوسط وأعدله وهو ما يبعد عن الطرفين بنسبة واحدة فلا يميل إلي أحدهما ميلا ما وهذه هي استقامة الخواص وإنها لكبيرة إلا علي النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا . وليس العسر في سلوكها فحسب بل إن العسر في معرفتها وذلك لأن بين الطرفين مدي واسع تطيش فيه المقاييس وتضل فيه الموازين .كما أن الحدود متاخمة للأوساط ملاصقة لها فيصعب ضبط الأبعاد إلا علي من هدي الله . فقد يحسب المرء أنه علي جادة الصواب وهو في الحقيقة مائل إلي أحد الجانبين كراكب البحر يظن نفسه في الوسط مادام لم ير الشاطئين لذلك يخطئ كثير من الناس في تسمية الأشياء فيسمون التهور شجاعة والحلم ضعفا والتبذير كرما والجبن حزما . ولذا تبدوا الاستقامة أمر صعب لا يكون إلا بتوفيق الله وعونه ولعل هذا هو السبب في قوله تعالي (استقاموا) فإن است تدل علي الطلب وهو طلب توفيق الله إلي الاعتدال . ولعل هذا هو السر الذي من أجله يقف العبد بين يدي ربه خمس مرات في الصلوات الخمس يناجيه اهدنا الصراط المستقيم . ولا يفوز بها إلا من وفق اسمع لربك "فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس علي الذين لا يؤمنون". ـ إخوة الإسلام: لماذا الاستقامة ؟ (1) لان الناس هذه الأيام يطبقون الشرط الأول من الآية فيقولون ربنا الله ثم إنهم يقولون ذلك بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم" قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم". ولم يطبقوا الشرط الثاني ثم استقاموا.ولو طبقوا الشرطين معا لاستحقوا الوعد الوارد في الآية (تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم ". (2) كما أن الإيمان لا يصلح من غير استقامة فالإيمان عقيدة وشريعة صح في ذلك روي الإمام مسلم أن سفيان بن عبد الله الثقفي جاء لرسول الله صلي الله عليه وسلم وقال يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسال عنه أحدا بعدك قال له الرسول قل آمنت بالله ثم استقم " فدل ذلك علي أن الإسلام عقيدة وشريعة . عقيدة قل آمنت بالله ، شريعة ثم استقم . وهذا مثل الإحسان بعد الأيمان في قوله تعالي( بلي من أسلم وجهه لله وهو محسن ) وكالسعي مع الإيمان في قوله تعالي ( ومن أراد الآخرة وسعي لها سعيه وهو مؤمن ). وانظر إلي هذا الصحابي الحاذق يسأل من ؟ يسأل النبي عملا بقول الله "فسالوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" . وانظر إلي السؤال يقول له لا أسال عنه أحدا بعدك يعني يريد جوابا كافيا ودواء شافيا ولا يحدث بعده انتكاسة فيرد عليه النبي بجوامع الكلم :قل آمنت بالله ثم استقم بمعني عليك بالإيمان وما يلزم لذلك من عقيدة وشريعة ثم اثبت علي ذلك حتى الممات . ـ وقد أمر الله بالاستقامة رسوله فقال له في سورة هود التي قال عنها رسول الله شيبتني هود وأخواتها "فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ "وطلب منه الاستمساك بذلك "فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيم وإنه لذكر لك ولقومك ويوف تسالون"وجعل الحكمة من إرساله إلي الناس دعوتهم إلي الاستقامة واسمع لربك " يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ" وقد التزم بها الرسول واسمع لربك "قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" ودعي الناس إليها واسمع لربك "وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"لذلك أشاد به ربه في قوله(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ". ـ وقد وضح الرسول معني الاستقامة فيما روي الإمام الحاكم عن بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله خط خطا ثم قال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله ثم قال هذه سبل متفرقة علي كل سبيل منها شيطان يدعوا إليه ثم قرأ وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله . وزاد الأمر وضوحا فقال فيما روي الإمام أحمد رحمه الله عن النّوّاس بن سمعان رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم "ضرب اللّه مثلا صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصّراط سوران فيهما أبواب مفتّحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصّراط داع يقول أيّها النّاس ادخلوا الصّراط جميعا ولا تتفرّجوا وداع يدعو من جوف الصّراط فإذا أراد أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال ويحك لا تفتحه فإنّك إن تفتحه تلجه والصّراط الإسلام والسّوران حدود اللّه تعالى والأبواب المفتّحة محارم اللّه وذلك الدّاعي على رأس الصّراط كتاب اللّه عزّ وجلّ والدّاعي فوق الصّراط واعظ اللّه في قلب كلّ مسلم" .أقول قولي هذا. الثانية : ـ الاستقامة هي حالة وسط بين الإفراط والتفريط .لذا لما كانت الاستقامة هي الاعتدال فإن عكسها هو التطرف إما بالتشدد وإما بالتهاون وكلاهما حرام فالتشدد أمر يرفضه الإسلام صح في ذلك ما روي الإمام البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " إنّ الدّين يسر، ولن يشادّ الدّين أحد إلّا غلبه، فسدّدوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والرّوحة وشيء من الدّلجة ". ـ الاستقامة واجبة وقد بينت الآية و الحديث السابق أن منهج الإسلام يرتكز علي أمرين الإيمان والاستقامة فبالإيمان يحيا القلب ويولد ولادة جديدة تهيئه لقبول الأحكام والتشريعات فيعيش آمنا مطمئنا اسمع لربك" أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك يجعل الله الرجس علي الذين لا يؤمنون". وعند ذلك يشعر المؤمن بحلاوة الإيمان صح في ذلك ما روي الإمام مسلم رحمه الله عن أنس رضي الله عنه عن رسول الله قال " ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وان يكره أن يعود إلي الكفر كما يكره أن يقذف في النار". وأما الاستقامة فتكون بالعودة إلي الفطرة السوية عملا بقول الله " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون" ويستمر علي ذلك . وإن أصابه خطأ أو زلل وذلك وارد يعود سريعا بالاستغفار عملا بقول الله "فاستقيموا إليه واستغفروه " وهذا ما قصده النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه الإمام احمد ( استقيموا ولن تحصوا ) وبقوله فيما يرويه الإمام البخاري ( سددوا وقاربوا). ـ وحتى تتحقق استقامة الإيمان لابد من استقامة القلب ومن قبل ذلك استقامة اللسان صح في ذلك ما روي الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه " لذلك ما من يوم ينشق فجره إلا والأعضاء تذكر اللسان بذلك لذلك عن أبي سعيد الخدريّ رضي اللّه عنه أنّه قال: إذا أصبح ابن آدم فإنّ أعضاءه تكفّر اللّسان تقول: اتّق اللّه فينا فإنّك إن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا. فاللهم ارزقنا الاستقامة علي دينك وارزقنا الثبات حتى الممات علي ذلك اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا علي دينك . | |
|