بسم الله الرحمن
الرحيم
خلق آدم
جامع المصطفي :
2/10/2009
الحمد لله رب العالمين . خلق آدم بيده من طين فتبارك الله أحسن الخالقين .
وأسجد له ملائكته ( فسجد الملائكة كلهم أجمعون ) . سبحانه من إله حكيم عليم أمره
بين الكاف والنون إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون . أحمد الله وأشكره وأتوب
إليه وأستغفره وأستعين به وأستنصره وأسأله الوقاية والحماية من جميع الآفات وأتوكل
في جميع الأمور عليه . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل ( يا أيها
الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي ) . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله القائل ( أيها
الناس كلكم لآدم وآدم من تراب ). اللهم صل وسلم وبارك علي رسول الله محمد خير
عبادك وعلي آله وصحبه وكل مسلم آمن بآيات ربه ففاز بقربه وتمتع بحبه وسار علي دربه
إلي يوم الدين . أما بعد فأوصيكم وإياي عباد الله بتقوى الله وأحذركم ونفسي من
عصيان الله ثم استفتح بالذي هو خير . يقول الله يبارك وتعالي وهو أصدق القائلين [ وإذ
قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك
الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالا تعلمون ].
عباد الله أيها المسلمون :ـ
آدم أبو البشر خلقه الله بيده من طين . وتحدث القرآن عن خلق الإنسان بطرق
مختلفة فقال تارة خلق من تراب ثم قال من سلالة من طين ثم قال من طين لازب ثم قال
من صلصال من حمإ مسنون وقد يبدوا ذلك خلافا في الآيات . والحق أن الآيات يفسر
بعضها بعضا . ففي البداية قال من تراب اسمع لربك " يا أيها الناس إن كنتم في
ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب " ويصح في ذلك ما روي الترمذي وحسنة
الألباني عن الحبيب النبي أنه قال " خلق الله آدم من قبضة قبضها من جميع
الأرض فجاء بنو آدم علي قدر الأرض فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك
والسهل والحزن وبين ذلك والخبيث والطيب وبين ذلك " . ثم قال أنه من طين فإنك
إن وضعت الماء علي التراب لصار طينا واسمع لربك " إني خالق بشرا من طين
" وهذا الطين يلزق بعضه في بعض فقال " من طين لازب " ثم بعد فترة
تغير رائحته واسود فصار حمإ وإذا نقرته أحدث صلصلة فقال " إني خالق بشرا من صلصال
من حمإ مسنون " . وظل هكذا ( حينا من الدهر ) أربعين سنة اسمع لربك ( هل أتي
علي الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ) . فمر به الملائكة ومعهم إبليس
ففزعوا منه فكان إبليس ينقره بيه ويقول لأمر ما خلق ؟ ثم دخل من فيه وخرج من دبره
وقال للملائكة لا تفزعوا منه فإن ربكم صمد وهذا أجوف . ثم قال لإن سلطت عليه
لأهلكنه . ثم نفخ فيه الروح وهي من أمر الله ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر
ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " .
لماذا خلق الله آدم ؟ يجيب ربنا علي ذلك بقوله إني جاعل في الأرض خليفة .
خليفة عن الله في أرضه لتنفيذ أوامره وتطبيق أحكامه اسمع لربك ( يا داوود إنا
جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوي فيضلك عن سبيل الله )
. فقال الملائكة لربهم ( أتجعل فيها من يفسد فيها ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ) وليس
هذا اعتراض من الملائكة فحاشاهم أن يعترضوا ( لأنهم لا يعصون الله ما أمرهم
ويفعلون ما يؤمرون ولأنهم يخافون ربهم من فوقهم
ويفعلون ما يؤمرون ولأنهم لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ) إنما كان
هذا استفسار منهم بفطرتهم البريئة انه ما خلق هذا إلا للتسبيح والعبادة وهو متحقق
عن طريقهم فقال لهم الله ( إني أعلم ما لا تعلمون).
وبين لهم مهمة الخليفة في الأرض هي 1ـ علم أسماء الأشياء في الأرض حتى يتمكن من
الزراعة والتجارة والصناعة والأسفار والتزاوج والتكاثر والمأكل والمشرب وليست كل
هذه الأشياء من خصائص الملائكة فهم لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون ولا يتزوجون
ولا يتصفون بذكورة ولا أنوثة . 2ـ مهمة الخليفة يرفع لواء التسبيح والتحميد
والتهليل لربه آناء الليل وأطراف النهار . 3ـ يحكم بين الناس بالعدل ويسخر الطاقات الموجود في
الأرض . 4ـ مهمة الخليفة هي العبادة ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد
منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ). 5ـ مهمة
الخليفة العلم والعمل بمقتضي ذلك العلم
لذلك ( علم ربنا آدم الأسماء كلها ثم عرضهم علي الملائكة فقال أنبئوني بأسماء
هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم
الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنباهم بأسمائهم قال ألم اقل لكم إني أعلم
غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون " .
شرف الله آدم ورفعه بالعلم " يرفع الله الذين آمنوا
منكم والذين أوتوا العلم درجات ". وأسجد له ملائكته من أجل العلم . ( وإذ
قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس أبي واستكبر وكان من الكافرين ) من أجل
ذلك طرد إبليس من رحمة الله ( قال فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلي يوم
الدين ) . لذلك كانت العداوة بين إبليس وبني آدم فطلب إبليس من الله أن ينظره إلي
يوم يبعثون ( قال أنظرني إلي يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين قال فبما أغويتني
لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآ تينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم
ولا تجد أكثرهم شاكرين قال اخرج منها مذؤوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم
منكم أجمعين " .
ثم أسكن ربنا آدم الجنة وهي دار الثواب فمشي فيها مستوحشا فلما نام خلقت له
حواء من ضلعه الأيسر ليسكن إليه ويأنس بها اسمع لربك ( وقلنا يا آدم اسكن أنت وزجك
الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ) . وجاء
الشيطان يوسوس لهما وقال ما نهاكما ربكما
عن تلكما الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن
الناصحين . ثم قال لأدم هل أدلك علي شجرة الخلد وملك لا يبلي فأكلا منها فبدت لهما
سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصي آدم ربه فغوي . ونجح إبليس في
غواية آدم فصدر الحكم من الله ( قلنا اهبطوا منها جميعا ولكم في الأرض مستقر ومتاع
إلي حين قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون " . فبكي آدم علي خطيئته
ثم تلقي من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم قال هو وزوجه ربنا ظلمنا أنفسنا
وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين "
ماذا نستفيد من قصة أدم ؟
أن الناس كلهم من أصل واحد هو آدم وآدم من تراب فالناس سواسية كأسنان المشط
لا فضل لعربي علي عجمي إلا بالتقوى . وهو ما عبر عنه الله (يا أيها الناس إنا
خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم
إن الله عليم خبير ) وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم ( كلكم لآدم وآدم من تراب
لا فضل لعربي علي عجمي إلا بالتقوى . التقوى هاهنا وأشار إلي صدره ثلاث مرات بحسب أمريء
من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم علي المسلم حرام دمه وماله وعرضه "فلم
التكبر إذا !
مبدأ الشورى من المبادئ الإسلامية الواجبة . حينما أراد الله خلق آدم قال
لملائكته ( إني جاعل في الأرض خليفة ) رغم أن الله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون
ورغم أنه ليس في حاجة لها إنما فعل ذلك ليؤصل فينا الشورى ويجعلها لنا فريضة وقد
استشار رسول الله في الأمور كلها رغم عدم حاجته للشورى لأن الوحي يأتيه ويخبره .
وقد جاء القرآن بالشورى في آيتين في الأولي قال الله لرسوله وشاورهم في الأمر
والثانية قال في وصف المؤمنين وأمرهم شوري بينهم واسمع لربك ( والذين استجابوا
لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شوري بينهم ومما رزقناهم ينفقون ) فجاءت في الوسط بين
فرضين الصلاة والزكاة كي ما يدلنا علي أنها فرض .
فضل العلم فالعلم أفضل من المال لآن العلم يحرسك وأنت تحرس المال وقيل إن الله علم في القران سبعة نفر سبعة أشياء
(علم آدم الأسماء كلها ) وكان ذلك سببا في حصوله علي سجدة التحية . وعلم الخضر
الفراسة ( وعلمناه من لدنا علما ) وكان ذلك سببا في حصوله علي تلميذ نجيب مثل موسي
و يوشع . وعلم يوسف تأويل الأحاديث ( ولنعلمه من تأويل الأحاديث ) وكان ذلك سببا في خروجه من السجن .
وعلم داوود صنعة الدروع ( وعلمناه صنعة لبوس ) وكان ذلك سببا لحصوله علي الرياسة .
وعلم سليمان منطق الطير ( يا أيها الناس علمنا منطق الطير ) وكان ذلك سببا لوجدان
بلقيس ودعوتها للإسلام . علم عيسي التوراة والإنجيل ( ويعلمه الكتاب والحكمة
والتوراة والإنجيل ) وكان ذلك سببا لزوال التهمة عن أمه . وعلم محمد الشرع
والتوحيد ( وعلمك ما لم تكن تعلم ) وكان ذلك سببا في حصوله علي الشفاعة . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
الثانية :ـ
نستفيد شكر النعم . فبالشكر تدوم النعم وبالمعصية تزول النعم . لقد أكرم
الله آدم واسكنه الجنة وكان يتحتم عليه أن
يشكر ربه علي ذلك فلما عصي آدم ربه واكل من الشجرة أهبطه الله من الجنة ( وإذ تأذن
ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ".
نستفيد كذلك أن الخلاص من المعصية سهل ويسير ." ثم اجتباه ربه فتاب
عليه وهدي . حيث تلقي آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم "
ويروي الإمام الترمذي رحمه الله عن أب بكر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلي
الله عليه وسلم يقول ما من رجل يذنب ذنبا ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ثم يستغفر الله إلا
غفر الله له ثم قرأ " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله
فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا علي ما فعلوا وهم يعلمون
"
ومن القصة يتضح لنا أن كل ما في الأرض مسخر لخدمة الإنسان فالإنسان سيد في الأرض
لذا يقع باطلا من يعبد حجرا أو شجرا أو دينارا أو درهما . فلا معبود بحق إلا الله
.