متن المقدِّمة العقدية للرسالة الفقهية
أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني , المالكي رحمه الله تعالى
18/7/2005 - 12 جمادى الثانية 1426
قال الإمام أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني ( ت : 386 ) رحمه الله تعالى في (( المقدمة العقَدية للرسالة الفقهية )) :
باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات
من ذلك :
الإيمانُ بالقلب والنُّطقُ أنَّ الله إلهٌ واحدٌ لا إله غيرُه , ولا شبيهَ له , ولا نَظيرَ له , ولا وَلَدَ له, ولا وَالِدَ له , ولا صاحبة له , ولا شريكَ له .
ليس لأَوَّلِيَّتِهِ ابتداءٌ , ولا لآخِريّتِه انقضَاءٌ , لا يَبْلُغُ كُنْهَ صِفَتِهِ الواصفون , ولاَ يُحيطُ بأمرِه المُتَفَكِّرونَ , يَعتَبِرُ المتفَكَّرونَ , بآياته , ولا يَتَفكَّرونَ في مَاهِيَةِذاتِه , ﴿ ولا يُحيطون بشيءٍ من عِلمه إلاَّ بِما شاء وَسِعَ كرْسِيُّه السَّموات والأرض , ولايِؤُوده حفظُهما وهو العليُّ العَظيمُ ﴾ .
العالِمُ الخبيرُ , المُدَبِّرُ القَديرُ , السَّمِيعُ البصيرُ , العَلِيُّ الكَبيرُ , وَانَّه فوقُ عَرشه المجيد بذاته , وهو في كلِّ مَكان بعِلمه .
خَلَقَ الإنسانَ , ويَعلمُ ما تُوَسْوِسُ به نفسُه , وهو أَقَرَبُ إليهِ من حَبْلِ الوَريدِ , ﴿ وما تَسْقُطُ إلاَّ يَعلَمُها ولاَ حَبَّةٍ في ظُلُمَات الأرضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلا يابِس إلاَّ في كتاب مُبين ﴾ .
﴿ على العرشِ استْوَى ﴾ وعَلى المُلْكِ احْتَوى , وله الأسماء الحُسنى والصِّفاتُ العُلى , لَم يَزَل بِجَميعِ صفاتهِ وأسمائِه , تَعالى أن تكون صفاتُه مَخلوقَةً , وأسماؤُه مُحْدَثَةً .
كلَّم موسى بكلامِه الَّذي هو صفةُ ذاتِه , ولا خلْقٌ مِن خَلقه , وَتَجَلَّى للجَبَل فصار دَكاًّ مِن جلالِه , وأنَّ القرآنَ كلامُ الله , وليس بمخلُوقٍ فَيبِيدُ , ولا صفة لمخلوقٍ فَيَنْفَدُ .
والإيمانُ بالقدَرِ خَيْرِه وشَرِّه , حُلْوِهِ وَمُرِّهِ , وكلُّ ذلك قَد قّدَّرَهُ اللهُ رَبُّنا , ومقاديرُ الأمورِ بيدِه , ومَصدَرُها عن قضائِه .
عَلِمَ كلَّ شيْءٍ قَبل كَونِه , فجَرَى على قَدَرِه , لا يَكون مِن عِباده قَولٌ ولا عَملٌ إلاَّ وقدْ قَضَاهُ وسبق عِلْمُه به ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ .
يُضلُّ مَن يشاء , فيَخْذُلُه بعدْلِه , ويُهدي مَن يَشاء , فَيُوَفِّقُه بفضلِه , فكَلٌّ مُيَسَّرٌ إلى ما سَبَقَ مِن علمه وقَدَؤِه , مِن شقِيٍّ أو سعيدٍ .
تعالَى أن يكونَ في مُلْكِهِ ما لا يُريد , أو يكون لأَحَد عنه غنِىً خالقاً لكلِّ شيءٍ , ألاَ هو رَبُّ العباد ورَبُّ أعمالِهم , والمُقَدِّرُ لِحَركاتِهم وآجالِهم .
الباعثُ الرُّسُل إليهِم لإقَامَةِ الحُجَّةِ عَلَيهم .
ثُمَّ خَتَمَ الرِّسالة والنَّذَارَةَ والنُّبُوَةَ بمحمَّد نَبيَّه صلى الله عليه وسلم فجَعَلَه آخرَ المرْسَلين , بَشِيراً ونَذِيراً , وداعياً إلى الله يإذنِه وسِراجاً منيراً , وأنزَلَ عَليه كتابِه الحَكِيمَ , وشَرَحَ به دينَه القَويمَ , وهّدّى به الصِّرَاطَ المستَقيمَ .
وأنَّ الساَّعة َ آتَية ٌلا رَيْبَ فيها , وأنَّ الله يَبعَثُ مَن يَموتُ , كما بدأهم يعودون .
وأنَّ الله سبحانه وتعالَى ضاعَفَ لعباده المؤمنين الحسَنات , وصَفَحَ لهم بالتَّوبَة عن كبائرِ السيَّئات , وغَفَرَ لهم الصَّغائِرَ باجْتناب الكبائِر , وجَعَلَ مَن لَم يَتُبْ مِنَ الكبائر صَائراً إلى مَشيئتِه ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ .
ومَن عاقَبَه اللهُ بنارِه أخرجه مِنها بإيمانِه , فأدخَلَه به جَنَّتَه ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ﴾ ويُخرِجُ منها بشفاعة النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَن شَفَعَ لَه مِن أهلِ الكبائِر مِن أمَّتِه .
وأنَّ الله سبحانه قد خَلَقَ الجَنَّةَ فأَعَدَّها دارَ خُلُود لأوليائِه , وأكرَمهم فيها بالنَّظر إلّى وَجْهْه الكريم , وهي الَّتِي أَهْبَطَ منها آدَمَ نبِيَّه وخلِيفَتَه إلى أَرضِه , بما سَبَقَ فِي سابِق عِلمِه .
وخَلَقَ النَّارَ فأعَدَّها دَارَ خُلُود لِمَن كَفَرَ به وألْحد في آياتِه وكتُبه ورُسُلِه , وجَعَلَهم مَحجُوبِين عن رُؤيَتِه .
وأنَّ الله تبارك وتعالى يَجيءُ يَومَ القيامَةِ وَالمَلَكُ صَفاًّ صَفاًّ , لِعَرْضِ الأُمَمِ وَحِسَابِهَا وثَوابِها , وتُوضَعُ الموازِين لَوَزْنِ أَعْمَالِ العِبَادِ , ﴿ فمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأولئك هم المُفلِحون ﴾ , ويُؤْتَوْنَ صَحائِفهم بأعمَالِهم , فمَن أُوتِي كتابَه بيمينه فسوف يُحاسَبُ حِساباً يَسيراً , ومَن أُوتِي كتابَه ورَاء ظَهْرِه فأولئِك يَصْلَوْنَ سَعيراً .
وأنَّّ الصَّرَاطَ حَقًّ , يَجُوزُه العبادُ بِقَدْرِ أعمالِهم , فناجُون مُتفاوِتُون في سُرعَة النَّجاةِ عليه مِن نار جَهَنَّم , وقَوْمٌ أَوْبَقَتْهُمْ فيها أعمالُهم .
والإيمانُ بِحَوْضِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم , تَرِدُهُ أمَّتُهُ لاَ يَظْمَأُ مَ شَرب مِنه , ويُذَادُ عنه مَنْ بَدَّلَ وغَيَّرَ .
وأنَّ الإيمانَ : قَولٌ باللّسانِ , وإخلاَصٌ بالقلب , وعَمَلٌ بالجوارِح , يَزيد بزيادَة الأعمالِ , ويَنقُصُ بنَقْصِها .
فيكون فيها النَّقصُ وبها الزِّيادَة , ولا يَكْمُلُ قَولُ الإيمانِ إلاَّ بالعمل , ولا قَولٌ وعَمَلٌ إلاَّ بنِيَّة , ولا قولٌ وعَمَلٌ وَنِيَّةٌ إلاَّ بمُوافَقَة السُّنَّ .
وأنَّه لا يكفرُ أَحدٌ بذَنب مِنْ أهْل القِبلَة .
وأنَّ الشُّهداءَ أحياءٌ عند ربِّهم يُرْزَقونَ , وأرْواحُ أهْل السَّعادَةِ باقِيةٌ ناعِمةٌ إلى يوم يُبْعَثون , وأرواحُ أهلِ الشَّقاوَةِ مُعَذَّبَةٌ إلى يَوم الدِّين .
وأنَّ المؤمنِين يُفْتَنُونَ في قُبُورِهم ويُسْأَلُون ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ .
وأنَّ على العباد حَفَظَةً يَكتُبون أعمالَهم , ولا يَسقُطُ شيْءٌ مِن ذلك عَن عِلمِ ربِّهِم , وأنَّ مَلَكَ الموتِ يَقْبِضُ الأرواحَ بإذن ربِّه .
وأنَّ خيْرَ القرون القرنُ الَّذين رَأَوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم , وآمَنوا به , ثمَّ الَّذين يَلُونَهم ثمَّ الَّذين يَلونَهم .
وَأفْضَلُ الصحابةِ : الخُلَفاءُ الرَّاشدون المَهْديُّون , أبو بكر ثمَّ عُمر ثمَّ عُثمان ثمَّ عليٌّ رضي الله عنهم أجمعين .
وأن لاَ يُذكَرَ أَحَدٌ مِن صحابَةِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم إلاَّ بأحْسَن ذِكْرٍ , والإِمساك عمَّا شَجَرَ بَينهم , وأنَّهم أحَقُّ النَّاس أن يُلْتَمَسَ لَهم أَحَسَن المخارج , ويُظَنَّ بهم أحْسن المذاهب .
والطَّاعة لأئمَّة المسلمين مِن وُلاَة أمورِهم وعُلمائهم .
وَاتِّباعُ السَّلَفِ الصَّالِح واقتفاءُ آثارِهم , والاستغفارُ لهم , وتَركُ المراءِ والجِدَالِ في الدِّين , وتَركُ ما أَحْدَثَهُ المُحْدِثُونَ .
وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد نبيِّه وعلى آله وأزواجهِ وذريته , وسلَّّم تَسليماً كثيراً .
م.ق