الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد فإن بعض الصحف نشرت كلمات حول " الفوائد المصرفية و"الشهادات البنكية"، وانعقدت ندوات هنا وهناك للحديث في هذه الأمور بمعايير متباينة؛ دون دراسة عميقة لواقع تلك المعاملات، متناسين أو متجاهلين أن الحكم الشرعي المنتسب إلى أصول الإسلام وقواعده في القرآن والسنة قد أوضحه العلماء في أقطار المسلمين،وجرت في شأنه فتاويهم الجماعية، حتى صار في حكم الأمر المعلوم من الدين بالضرورة، ويعلو على الأمور المختلف عليها.
وقد وقع الفصل من مؤتمر علماء المسلمين المنعقد في شهر المحرم 1385هـ - مايو1965م بهيئة مؤتمر لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف - الذي من مهامه بحكم قانون الأزهر بيان الرأي فيما يجد من مشكلات مذهبية أو اجتماعية أو اقتصادية- والذي شارك فيه العديد من رجال القانون، والاقتصاد، والاجتماع من مختلف الأقطار، حيث كان من قرارات هذا المؤتمر إجازة بعض صور التأمين التعاوني ونظام المعاش الحكومي وما شابهه من نظم الضمان الاجتماعي.
وفي شأن المعاملات المصرفية كان نص القرار:
1- ( الفائدة) على جميع أنواع القروض ربا محرم ،لا فرق في ذلك بين ما يسمي بالقرض الاستهلاكي؛ وما يسمي بالقرض الإنتاجي؛ لأن نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة بتحريم النوعين.
2- كثير الربا وقليله حرام كما يشير إلى ذلك الفهم الصحيح في قوله تعالى)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ )(آل عمران: من الآية130).
3- الإقراض بالربا مُحَرَّمٌ لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض بالربا محرم كذلك، ولا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه الضرورة. وكل امرئ متروك لدينه في تقدير ضرورته.
4- أعمال البنوك من الحسابات الجارية وصرف الشيكات وخطابات الاعتماد والكمبيالات الداخلية التي يقوم عليها العمل بين التجار والبنوك في الداخل كل هذا من المعاملات المصرفية الجائزة وما يؤخذ في نظير هذه الأعمال ليس من الربا.
5- الحسابات ذات الأجل وفتح الاعتماد بفائدة وسائر أنواع الإقراض نظير فائدة كلها من المعاملات الربوية.
6- أما المعاملات المصرفية المتعلقة بالكمبيالات الخارجية فقد أجل النظر فيها إلى أن يتم بحثها.
أ فَبَعدَ هذا تُدَبَّجُ المقالات طلبا للحوار، وتعقد الندوات للبحث فيما انتهى فيه الرأي الجماعي لعلماء المسلمين مستنداً إلى القرآن والسنة.
إن هذا الذي تناقلته الصحف من أنباء وآراء إثارة لموضوعات قد حُسِمَتْ واستبان فيها الحكم الشرعي على هذا الوجه، وكان الأولى بهؤلاء وأولئك أن يكتبوا ويجتمعوا للمداولة في أمور لم تحسم بعد كشهادات الاستثمار التي أصر مصدروها على عدم التعرض للقرارات الوزارية المنظمة لها والتي هي بمثابة العقد لها، وتوقفوا عن قبول أي تعديل للصيغة لتتوافق مع العقود الشرعية وتخلو من الفائدة الربوية الصريحة، وهم مع هذا الموقف يتنادون إلى إسباغ حكم إسلامي عليها بالحل دون أن يدرسوها كعقد من العقود التي وضع الرسول صلى الله عليه وسلام قاعدتها في قوله الشريف الذي رواه الترمذي وجاء فيه:
(....والمسلمون على شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراما..)
إن الأزهر الشريف يضع أمام الناس جميعا قرارات مؤتمر علماء المسلمين الجماعية في عام 1385هـ/ 1965م فيما يحل وما يحرم في شأن الفوائد على القروض وبعض أعمال البنوك على الوجه المفصل آنفا. وقد دعا هذا المؤتمر علماء المسلمين ورجال المال والاقتصاد إلى إعداد ودراسة بديل إسلامي للنظام المصرفي الحالي، فهل تداولت هذه الندوات في هذا الشأن؟، وهل تصدت تلك المقالات لما أرجئ البت فيه لمزيد من الدراسة والبحث.
ذلك ما لم يحدث.
وإنه من الحق أن نلتمس الهداية إلى الصواب من الله سبحانه الذي قال في كتابه الكريم في سورة النور من الآية 63. (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
و سورة التوبة الآية 129. (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) .
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.