بسم الله الرحمن الرحيم الهجرة النبويةجامع المصطفي : 11/1/2008 م الحمد لله فاز بالهجرة إليه من أخذ الدليل وسلك السبيل واعتمد عليه في حله وترحاله . أحمد الله وأشكره أتوب إليه وأستغفره وأستعين به وأستنصره وأسأله الخير من فضله ومن كرمه . وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله كريم الجاه لدي مولاه صدوق النية في قوله وفي فعله . اللهم صل وسلم وبارك علي رسول الله محمد خير عبادك وعلي آله وصحبه وكل مسلم أخلص الهجرة إلي ربه ففاز بقربه وتمتع بحبه في عيشة راضية .أما بعد: فأوصيكم وإياي عباد الله بتقوى الله وأحذركم ونفسي من عصيان الله ثم أستفتح بالذي هو خير . يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين مخاطبا رسوله صلي الله عليه وسلم الصادق الأمين ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) .عباد الله أيها المسلمون : تعاودنا هذه الأيام ذكري عزيزة علي نفوسنا حبيبة إلى قلوبنا . ذكري اليوم الذي هاجر فيه محمد وأصحابه علي كره منهم مسقط رؤسهم ومنشأ حياتهم . وأخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله . فخرجوا يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون . ماتت خديجة وهلك أبو طالب واشتد الإيذاء برسول الله صلي الله عليه وسلم فأخذ يعرض نفسه علي القبائل لعله يجد فيهم من يأخذ بيده ليبلغ رسالة ربه فقوبل بالتهكم والاستهزاء ورد بالسخرية والإباء وطارده سفهاء ثقيف حتى ألجأوه إلى ظل شجرة قام تحتها وراح يستقبل السماء بوجهه رافعا كفيه ضارعا " اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حياتي وهواني علي الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلي عبد ملكته أمري إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي . أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه حال الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضي ولا حول ولا قوة إلا بك " . وما كان محمد لييأس أو يستسلم وقد هتف به هاتف الرجاء وصاح به صائح الأمل " فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا" .وصدق من قال :دع الأمور تجري في أعنتها ولا تبيتن إلا خالي البـــــــال ما بين غمضة عين وانتباهها يغير الله من حال إلى حال
وكم ليلة تبث لي كربة يكاد الرضيع لها أن يشـــــــــــــيب فما اصبح الصبح إلا أتى لها من الله نصر وفتح قريـــــب
وجاء موسم حج سنة 620 فوقف محمد يخطب في الناس ويعرض دعوته فالتف به من حجاج يثرب وأخذ حديثه بمجامع قلوبهم وبايعوه عند العقبة بالقرب من مني ووعدوه بنشر الإسلام في يثرب أرسل معهم مصعب بن عمير . اجتهد مصعب في أمر الرسالة ودعي له الرسول بالتوفيق وبارك الله في مجهوده فلم يبق في المدينة بيت إلا فيه مسلمون . ثم في العام الثاني جاء حجاج يثرب وفيهم خمسة وسبعون مسلم ثلاثة وسبعون رجل وامرأتان وواعدهم الرسول أن يكون لقائه بهم إذا انتهي الحج في الليل عند العقبة بالقرب من مني حتى لا تشعر قريش بذلك . ثم حدث اللقاء وكان العباس عم النبي حاضرا وقال للقوم إن محمدا منا في منعة ولكنه أبى إلا اللحاق بكم فهل أنتم مانعوه . ثم تحدث الرسول قائلا أبايعكم علي أن تمنعوني مما تمنعون منه نسائكم وأبناءكم فقال البراء بن معرور والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه نسائنا وأولادنا لقد ورثنا الحرب كابرا عن كابر فقال لهم الرسول اجعلوا منكم اثني عشر نقيبا فجعلوا من الخزرج تسعة ومن الأوس ثلاثة فقال الرسول أنتم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسي بن مريم وأنا كفيل قومي . وقد ضمن لهم النبي الجنة " إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفي بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك الفوز العظيم " . علمت قريش بأمر البيعة فأفزعها ذلك فسألوا. أما المسلمون فلم ينطقوا بكلمة وأما المشركون فلم يدروا عنها وأما عبد الله بن أبي . سيد من سادات المدينة فلم يدر شيئا ثم سافر الحجيج إلي المدينة . وكان سعد بن عبادة متأخرا عنهم وقد تأكد لقريش أمر البيعة فحجزوه من شعره وعذبوه لكن المطعم بن عدي أطلق سراحه . ومن يومئذ أصبحت المدينة مقصد هجرة المسلمين وقدر المشركون ذلك حق قدره فكأنهم بدعوة محمد عمت الآفاق وكأنهم بالمسلمين قطعوا عليهم طريق التجارة إلى الشام أو العراق. وبدأ المسلمون في الهجرة . وأول من هاجر هو أبو سلمة المخزومي وتبعه الناس ولم يبق إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر الصديق قال له الرسول انتظر لعل أن يأذن لي ففهم أن الرسول يريد الصحبة فاستعد وكلف عبد الله بن أريقط اليهودي بتجهيز راحلتين . لهذا فقد اجتمعوا في دار الندوة " دار قصي بن كلاب "للخلاص من محمد ذلك الذي أقلق بالهم وعكر صفوهم وفكروا في ثلاثة حلول : الأول : فقال أحدهم ننفيه بعيدا فيبعد خطره عنا . فقوبل الرأي بالرفض حيث إنه سيدعو بدعوته هناك ويأتي لقريش بما لا قبل لها به . وكان الرأي الثاني : نقيده بالسلاسل ونحبسه كما فعل بالشعراء من قبل وقوبل الرأي بالرفض أيضا لأن محبيه ومريديه سيصلوا ويفكوا سراحه . فطلع عليهم أبو جهل الحكم بن هشام بالرأي الثالث : وقال لي رأي ما أراكم وقعتم به فقالوا هاته يا أبا الحكم فقال نختار من قبيلة فتي شابا جلدا نسيبا ونعطيه سيفا صارما فإذا خرج محمد فيضربونه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل فلا يقدر بنو عبد مناف علي حرب هذه القبائل جميعا ويرضون بالدية . وتأتي اللحظة الحاسمة تحدثنا عنها عائشة رضي الله عنها تقول : كان الرسول لا يخطئنا المجيء عندنا إما بكرة وإما عشية عدا هذا اليوم جاءنا الرسول بالهاجرة فقال أبو بكر ما جاء به إلا أمر قد حدث ثم قال الرسول اخرج عني من عندك فقال يا رسول الله إنما هما ابنتاي فداك أبى وأمي. فقال إن الله أذن لي بالهجرة فقال الصحبة يا رسول الله . تقول عائشة ما شعرت أحدا يبكي من الفرح مثل أبو بكر في تلك اللحظة وذلك للشرف العظيم ينال شرف صحبة الحبيب في ذلك الوقت العصيب الذي سيفرق الله به بين الحق والباطل . خرج الرسول في العشر الأواخر من صفر من السنة 13 من البعثة والكفار قد ترصدوا علي باب الدار في هذه الليلة لينفذوا الخطة التي وضعها أبو جهل وعهد الرسول لعلي أن ينام علي فراشه ويتسجي ببردته وكلما نظر أحد المشركين لثقب الباب تأكد أن الرسول نائما فاطمئنوا ثم خرج الرسول من بين أيديهم وهو يقرأ قول الله" يس والقرآن الحكيم انك لمن المرسلين علي صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم لتنذر قوما ما انذر آباؤهم فهم غافلون لقد حق القول علي أكثرهم فهم لا يؤمنون إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقحمون وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون " وهو يرش علي رؤسهم التراب فناموا بأمر الملك الوهاب ومشي الرسول بصحبه إلى غار ثور وكان أبو بكر قد واعد عبد الله بن أريقط عند الغار بعد ثلاثة أيام حتى يسكت الطلب عنهما . وبينما الرسول وصحبه في الطريق نحو الغار كان أبو بكر تارة يمشي من أمامه وتارة من خلفه وتارة عن يمينه وتارة عن يساره ويعلل ذلك يخشي الخطر عليه من ناحية فيأتي منها فيدفع الخطر عن النبي . وهكذا فشلت خطة أبو جهل وصدق الله " وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ". ووصل النبي الغار وقبل الدخول دخل أبو بكر الغار أولا ليستبرئه فلما اطمأن منه دخل النبي الغار ومكث النبي في الغار ثلاثة أيام وفي كل يوم يأتي عامر بن أبى فهيرة مولي أبو بكر بالقطيع فينالوا من ألبانها وشحومها ويأتي عبد الله بن أبى بكر لهما بالأخبار ثم يعودان آخر النهار دون أن يدري أحد عنهما . فزع المشركون لإفلات محمد منهم فبدءوا يتتبعون الأثر والمسير( فالبعرة تدل علي البعير والأثر يدل علي المسير ) حتى وصل بهم ذلك إلى الغار فوقفوا أمام الغار أمعنوا النظر وإذا بجنود ربك . يأتي العنكبوت ويخيم علي باب الغار وحمامتان تبيضان علي الباب فقالوا هذا العنكبوت من قبل ميلاد محمد وهاتان الحمامتان تبيضان لابد أن الغار مهجور . وأبو بكر في داخل الغار قد ملأ الرعب قلبه ويقول يا محمد لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا والرسول يطمئنه يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما واسمع لربك "إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السفلي وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " . وصدق شوقي رحمه الله : سل عصبة الشرك حول الغار حائمة لولا مطاردة المختار لم تحــــــمهل ابصروا الأثر الو ضاء أم سمعوا همس التسابيح والقرآن من أمموهل تمثل نسج العنكبوت لهم كالغاب والحائمات الزغب كالرخـــــــمفأدبروا ووجوه الأرض تلعنهم كباطل من جلال الحق منهـــــــــــــزملولا يد الله بالجارين ما سلما وعينه حول ركن الدين لم يقــــــــــــمتواريا بجناح الله واستترا ومن يضم جناح الله لا يضـــــــــــــــــــــم
وبعد ثلاثة أيام جاء الدليل ومعه الراحلتين وجاءت أسماء بالطعام وليس معها ما تضع فيه الطعام فشقت نطاقها نصفين تمنطقت بنصف وغطت الطعام بنصف فسميت ذات النطاقين .أرصدت قريش جائزة مائة ناقة لمن يعثر علي محمد حيا أو ميتا فانطلق الشباب بين الجبال يستنطقون الحصي الرمال عن خبر محمد ويعثر سراقة بن مالك علي الرسول فينادي حتى أصبح علي مد البصر من الرسول غاصت أقدام فرسه في الرمال وفي الثالثة ساخت قوائم الفرس في الرمال فنزعها من الأرض فتصاعد منها دخان كالإعصار وحينئذ فزع سراقة وأدرك أن سرا عجيبا وعناية خاصة تكلأ محمد وصاحبه وعاد إلي قريش متعاهدا علي كف الأذى عن محمد فوجه أبو جهل اللوم إليه فرد: سراقة: أباحكم والله لو كنت شاهدا لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمــــهعلمت ولم تشكك بأن محمدا رسول ببرهان فمن ذا يقاومــــــــهعليك بكف القوم عنهم فإنني أري أمره يوما ستبدو معالمـــــــهبأمر يود الناس فيه بأسرهم بأن جميع الناس طرا يسالمــــــــه
واصل الرسول سيره إلى تهامة ثم إلى عسفان ثم إلى الجداجد ثم العرج ثم وصلوا إلي قباء استغرق الطريق اثني عشر يوما لاقي الرسول فيها من وعثاء السفر ووحشة الطريق ما ينوء بالأبطال . مكث الرسول في قباء أربعة أيام أسس فيها مسجد قباء الذي قال الله فيه "لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ . فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ". ثم توجه الرسول نحو المدينة وفيها قابله أهلها بالبشاشة والترحاب :طلع البدر علينا من ثنيات الــــــــــوداعوجب الشكر علينا ما دعـــــــــي لله داعأيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطـــاعجئت شرفت المدينة مرحبا يا خير داع
نزل الرسول بشوارع المدينة وكل بيت يريد أن يستوقف ناقة الرسول والرسول يقول لهم دعوها فإنها مأمورة حتى بركت في محلة أمام دار أبى أيوب الأنصاري فاحتمل أبو أيوب رحل الرسول عنده وجعل له الدور الأرضي ليقابل الناس فيه . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .الثانية :يروي الإمام البخاري رحمه الله عن بن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلي الله عليه وسلم " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية "عباد الله : الهجرة : هي الانتقال من بلد الشرك إلى بلاد الإيمان ليعبد الإنسان ربه بعيدا عن الفتنة والعذاب والهجرة بهذا المعني رفعت بنص حديث النبي صلي الله عليه وسلم هذا لا سيما وقد جاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجا وعم الإسلام أرجاء الدنيا ولكن تبقي الهجرة بمعناها الدائم وهي هجر المعاصي وهو ما قاله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( المهاجر من هجر ما حرم الله عليه فمن هجر المحارم فهو مهاجر فهل منا من هجر ما حرم الله عليه هل منا من هجر الكذب هل منا من هجر الغيبة هل منا من هجر النميمة .