أبو الزهراء المدير العام
عدد الرسائل : 560 العمر : 58 تاريخ التسجيل : 29/01/2007
| موضوع: المؤمن بين عامين الخميس يناير 03, 2008 11:06 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم المؤمن بين عامين جامع المصطفي 4/1/2008 م
الحمد لله . الحمد لله الملك العلام ذي الجلال والإكرام ذي الطول والإنعام . سبحانه سبحانه جعل في تناهي الأيام وانقضائها عاما بعد عام دليلا علي فناء كل كائن حي . أحمد الله وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأستعين به وأستنصره وأسأله اللطف فيما جري به القضاء . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شرفه وفضله وزينه وجمله فكان صفوة البرايا الأوفياء . اللهم صل وسلم وبارك علي رسول الله محمد خير عبادك وعلي آله وصحبه وكل مسلم آمن بآيات ربه ففاز بقربه وتمتع بحبه وصار علي دربه إلى يوم اللقاء . أما بعد . فأوصيكم وإياي عباد الله بتقوى الله وأحذركم ونفسي من عصيان الله ثم أستفتح بالذي هو خير يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين يعظ عباده المؤمنين المخلصين ليعودوا إليه تائبين منيبين مخبتين "يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار " .
عباد الله أيها المسلمون :
بهذه الجمعة المباركة نختتم عاما مضي من أعمارنا نسأل الله تعالي أن يتقبل ما عملنا فيه من حسنات وأن يتجاوز عن ما جنينا فيه من ذنوب وزلات وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون . ونستقبل عاما جديدا نرفع أكف الضراعة إلى الله أن يبلغنا فيه مما يرضيه آمالنا وأن يعيد فيه للمسلمين عزهم ومجدهم ........آمين . فالمسلم هنا بين عامين عام قد مضي لا يدري ما الله قاض فيه وعام قد أتي لا يدري ما الله فاعل فيه . وهذا هو حال الدنيا يولد العام وسرعان ما ينتهي وهو ما عبر عنه النبي " ليكونن في آخر الزمان السنة كالشهر . والشهر كالجمعة والجمعة كالساعة والساعة لا تذكر ".
قال أبو تمام :
مرت سنون بالوصال و بالهنا فكأنها من قصرها أيام
ثم أتت أيام الهجر بعدها فكأنها من طولها أعــــــوام
ثم انطوت تلك السنون و أهلها فكأنهم وكأنها أحــلام
أيها المسلمون : إن الله تعالي جلت قدرته وتقدست حكمته وتعالت عن الأغراض والأهواء مشيئته وإرادته خلق الكائنات وجعل لكل كائن أجلا معلوما وعمرا محتوما " فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون . "أوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إَلاَّ كُفُوراً ". وهذا الأجل الذي خلقه الله لم يكن إلا ليتألف من ثوان ثوان ينبض بها القلب ويخفق بها الشريان وصدق من قال :
فؤادي دائم الخفقان موصول الإشــارات
كأن به مؤقتة تدور بضبط أوقاتــــــــــي
تقول : حياتك الدنيا صدي نبضي ودقاتوقال شوقي رحمه الله :
دقات قلب المرء قائلة له إن الحــــــــــــياة دقائق وثواني
فاصنع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني
ومن الثواني تتألف الدقائق فالساعات فالأيام ثم الأسابيع فالشهور فالأعوام فالقرون فالأحقاب فالعصور فالدهور يتقاسم ذلك ليل ونهار بين ربيع وصيف وخريف وشتاء " يكور الله الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي آلا هو العزيز الغفار " يخضر الزرع وينمو ويترعرع " ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" . كذلك الإنسان يكون نطفة في الأرحام ثم يكون الجنين "خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ " "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ علقه ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " .
هكذا يحيا كل شيء هكذا يعيش كل شيء ثم هو إلى الفناء ثم هو إلى الهلاك مهما طال به العمر ومهما تطاول عليه الزمان " كل شيء هالك إلا وجه له الحكم واليه ترجعون "وصدق من قال :
ألا كل حي هالك وبن هالك وذو نسب في الهالكين عريق
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت له عن عدو في ثياب صديق وصدق من قال :
خلقنا للحياة وللممات ومن هذين كل الحادثـــــــــات
ومن يولد يعش ويمت كأن لم يمر علي الكائـــــنات
كل ذلك وأمثال ذلك نشأ بين ليل ونهار ويشيبه ويفنيه كذلك ليل ونهار وصدق من قال :
أنا المرء أسلمني للوهن مرور الليالي وكر الزمن
مرور الليالي بمصائبها تهد القوي وتشل الـــبدن
ولو أن للمرء قلبا يعي لعاش الحياة ومل السكن
وطلق دنياه ومشاكلها وواصل كل جميل حســــن
كل ذلك مر ويمر وسوف يمر حتى تبلغ الدنيا آجالها وتأتي القيامة بآخرتها التي لا انتهاء لها نعيم دائم علي اتصال أو جحيم دائم بلا انفصال "وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ".
عبد الله أناشدك الله وقد مر بنا هذا العام وانقضت بأحداثها الأيام . كم أملا أملت ؟ كم ثوبا أبليت ؟ كم زرعت وكم حصدت ؟ كم بني وكم هدم ؟ كم صح وكم مرض ؟ كم مات وكم ولد ؟ كم وكم مما لا يعلم علمه إلا الله َ. " ولِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ " .
عبد الله ليس العجب أن تمر بنا هذه الأيام فإنها لذلك خلقت ظروفا وكانت آجالا إنما العجب أن تمر بنا فتخطفنا شيئا فشيئا دون فكر منا ولا تأمل
كل يوم يمر يأخذ بعضا من حياة الدنيا ونحن نيــــــــام
أسكرتنا الدنيا بخمر مناها وطوتنا عن قوسها الأيــام
متي نصحو يالهي وقد امتد بنا الكري وامتدت الأحلام
العجب أن نضربها مواعيد نتعجل سيرها ونفرح بانقضائها وهي جادة في تمزيق أعمارنا جاهدة في استئصال آمالنا وشأفتنا .
يسر المرء ما ذهب الليالي وكان ذهابهن له ذهــــابا
ولا ينفك يسري المرء حتى يغيب ويملأ الدنيا غـــــــيابا
تسلمه الأماني للمنايا فلا ترجو له الدنــــــــــــــــيا إيابا
ومن عجب وعي الدنيا حسابا ولم يحسب لأخراه حسابا
فقل للمرء يجمعها رويدا ستجمعها وتجنيها سرابــــــــا
العجب أن تمر بنا ونحن عليها وتصرعنا ونحن فيها.
شغلنا بها عنا فوا عجبا لنا ظن قياما والزمـــــــــــــــــــــان بنا يجري
نمر علي الدنيا سراعا وتنطوي بنا صفحات الدهر من حيث لا ندري
نوزع أيام الحياة مواعدا ونتعجل الأيام وهي بنا تــــــــــــــــــــسري
ومن عجب أنا نسر بما سري من الدهر والأيام تفتك بالعـــــــــــــــمر
اتقوا الله عباد الله واعتبروا بانقضاء عامكم تدبروا تذكروا تبصروا " وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ".
روي أهل التاريخ أعد الخليفة العباسي هارون الرشيد مائدة عظيمة جمع عليها ما لذ وطاب فلما التف حوله فوجد حاشيته أرسل إلى الشاعر أبى العتاهية فقال له هل رأيت ما نحن فيه من حبور وسرور صف حالنا ؟ فقال :
عش ما بدي لك سالما ما بين شاهقة القصور . فقال هذا والله جميل وجميل جدا ثم أردف قائلا:
يسعي إليك بما اشتهيت من لدي الأصائل والبكور . فقال جميل والله جميل جدا. ثم أردف قائلا :
وكأنني بك ذات يوم قد نزعت عن الحضــــور .
وكأنني بك في الثري تحت الجنادل والصخور .
وحملت رغم أنوفنا رغم الحماة إلى القبــــور .
وهناك تعلم موقنا أن المنعم في غـــــــــــرور .
فقال الحضور جئنا بك لتصف حالنا وما نحن فيه من السرور فعكرت علينا صفونا فقال الخليفة دعوه فوالله لقد ذكرنا ربنا ذكرنا ما نسيناه فجزاه الله عنا خير الجزاء .
وروي أهل الأثر قالوا : وفد علي أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وعن أبيه شيخ من أهل نجران فقال له أمير المؤمنين كم مر عليك من الدنيا ؟ قال يا أمير المؤمنين عشت من الدنيا مائتي سنة قال يا شيخ المعمرين صف لي الدنيا قال يا أمير المومنين الدنيا سنيهات رخاء وسنيهات بلاء . يوم فيوم وليلة فليلة . يولد مولود ويهلك هالك فلولا المولود لباد الخلق ولولا الهالك لضاقت الدنيا علي من فيها فقال له سلني حاجة أقضيها لك قال يا أمير المؤمنين أسألك عمرا مضي أن ترده أو أجلا حضر أن تدفعه قال هذا ليس إلى قال إذا لا حاجة لي بك فودعه وتركه . أقول قولي هذا .
الثانية :
يقول الله تعالي : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إ نَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " .
عباد الله : هذا قول الله يبصركم عاقبة أمركم يبصركم بالدنيا ومآلها إنها كالزرع الذي تزرعون وتحصدون وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم " عش ما شئت فإنك ميت أحبب من شئت فإنك مفارقة واعمل ما شئت فإنك مجزي به كما تدين تدان وكما تزرع تحصد
أري الدنيا تودع للفراق مشمرة علي قدم وساق
فما الدنيا بباقية لحي ولا حي علي الدنيا ببــــاق
تلك حقيقة إن الزمن لا يعود . إن الدينار والدرهم والذهب والفضة إذا ضاع منك يوما يمكنك أن تعوضه ولكن اليوم إذا ضاع كيف لك أن تعوضه وهذا هو الحسن البصري رحمه الله يقول : ما من يوم ينشق فجره وتطلع شمسه إلا ويناد مناد يا بن آدم أنا خلق جديد أنا بعث جديد علي عملك شهيد فاغتنمني فإني والله لا أعود إلي يوم القيامة يقول في كل يوم ونحن لا نسمع ولكن قامت علينا الحجة بأقوال العلماء فمن الذي يستطيع أن يوقف الزمن ومن الذي يستطيع أن يعيد يوما واحدا ؟ . لذلك اغتنم خمسا قبل خمس حياتك قبل موتك وشبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وغناك قبل فقرك .يقل بن كثير والله أعلم : عاش نوح ما يقارب 18 قرنا 1780 سنة 380 سنة قبل البعثة ،950 سنة زمن الدعوة لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وعاش 450 سنة بعد الطوفان وعندما حضرته الوفاة جلس معه المحبون المؤمنون فسألوه صف لنا الدنيا فقال والله ما الدنيا إلا كقصر له بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الأخر فكيف بنا ونحن كما قال النبي بين الستين والسبعين وقليل من يجوز ذلك .!
| |
|