بسم الله الرحمن الرحيم
جامع المصطفي :17/8/2007 م
شعبان بين السنة والبدعة
الحمد لله بحمده نبدأ . وعليه نتوكل وإليه نلجأ . لا نسأل سواه ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون . أحمد الله وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأستعين به وأستنصره وأسأله التوفيق والسداد في جميع الشئون . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شرفه وفضله وزينه وجمله واصطفاه واجتباه ووفقه وهداه فكان خيرة خلق الله . اللهم صل وسلم وبارك علي رسول الله محمد خير عبادك وعلي آله وصحبه وكل مسلم آمن بآيات ربه ففاز بقربه وتمتع بحبه وسار علي دربه ونهجه إلي يوم الدين . أما بعد فاوصيكم وإياي عباد الله بتقوي الله وأحذركم ونفسي من عصيان الله ثم أستفتح بالذي هو خير.. يروي الامام البخاري رحمه الله عن أم المؤمنين عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ " .
عباد الله أيها المسلمون :
أورد الأمام بن حجر رحمه الله في الفتح سمي شعبان بذلك لأن العرب كانوا يتشعبون فيه لطلب المياة . أو لتشعبهم في الغارات . أو لأنه شعب (أي ظهر ) بين رجب ورمضان . أو لتشعب الزرع والرزق فيه من الله علي عباده . وشهر شعبان من الأشهر العظيمة التي يستحب فيها الاجتهاد في العبادة الي الله . أسوة برسول الله صلي الله عليه وسلم . و عملا بقول الله " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا " .
وكان لرسول الله صلي الله عليه وسلم منهج للصوم في شعبان فكان يكثر من الصيام في شعبان . صح في ذلك ما روي الإمامان الجليلان البخاري ومسلم رحمهما الله عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت " لم يكن النبي صلي الله عليه وسلم يصوم من شهر أكثر ماكان يصوم من شعبان فكان يصومه كله إلا قليلا ". وروي الامام أبو داوود وصححه الألباني رحمهما الله عن أم سلمة رضي عنها قالت " كان صلي الله عليه وسلم يصل شعبان برمضان ".
لذلك لك هنا أخي المسلم إما أن تقتصر علي صوم ثلاثة أيام من الشهر أو تصوم معظم أيام الشهر وكلاهما من السنة . فتصوم ثلاثة أيام وذلك لما روي الشيخان الجليلان البخاري ومسلم رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أوصاني خليلي رسول الله بثلاث لا أدعهن حتي أموت صوم ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحي والنوم علي وتر " . وروي الإمامان الجليلان البخاري ومسلم رحمهما الله عن عبد بن عمروبن العاص رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها وإن ذلك صيام الدهر كله ". والأمر في هذه الثلاثة أيام واسع فيمكنك أن تصومها أول الشهر أو أوسط الشهر أو آخر الشهر لأن الرسول لم يحدد وإنما ترك الأمر عام والأفضل لها أن تكون أوسط الشهر( ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر) وهي الأيام البيضاء عم القمر ليلها فيفضل أن يعم الصوم نهارها .
ويمكنك أن تجتهد كما كان يفعل رسول الله صلي الله عليه وسلم فتصوم أكثر الشهر زيادة في الخير ورغبة فيما عند الله . أخرج أحمد في مسنده والنسائي وأبوداود وصححه ابن خزيمة عن أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ ((واعتمده بن القيم وحسنه الألباني))0ويؤكد ذلك ماروي مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس وأحب أن يرفع عملي إلي الله وأنا صائم " .
وهنا تظهر الحكمة جلية لماذا صام النبي من شعبان أكثر من غيره ؟؟ اسمع إلي النبي لأنه شهر ترفع فيه الأعمال . وإذا كانت الأعمال ترفع فيه فيا حبذا أن يكون من بين الأعمال الصوم ولم لا ؟ اسمع لربك " إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب " واسمع للنبي صلي الله عليه وسلم فيما روي الإمام الترمذي رحمه الله وحسنه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال " الصوم نصف الصبر والصبر نصف الايمان ". وقد ذكر العلماء أسبابا أخري حملت رسول الله علي الاكثار من الصيام في شعبان منها أنه كان ينشغل عن صوم الثلاثة أيام من كل شهر إما لسفر أو غيره فتجتمع فيقضيها في شعبان لأنه صلي الله عليه وسلم إذا عمل نافلة أثبتها وإذا فاتته قضاها . لأن نسائه كن يقضين ما عليهن في شعبان قالت عائشة كان يكون علي الصيام ولاأقضي إلا في شعبان . فكان يصوم معهن . وكذلك لأنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وترفع فيه الاعمال إلي الله كما جاء في حديث أسامة بن زيد . وكذلك لان صوم شعبان تمرين لشهر رمضان .
وللصوم في آخر شعبان فضل عظيم وشرف جسيم جاء في الصحيحين عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم هل صمت من سرر الشهر شيئا [[يعني من نهايته وسمي آخر الشهر سرر لاستسرار أي اختفاء القمر آخر الشهر ]] فقال لا يارسول الله . فقال له إذا أفطرت من رمضان فصم يوما أو يومين " . أمره الرسول إذا لم يكن قد صام في آخر شعبان أن يقضي عن ذلك يوما أو يومين بعد رمضان . والصوم في آخر شعبان يستحب أن يكون قبل آخر الشهر وذلك لما جاء في الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين إلا من كان يصوم صوما فليصمه ". وقد ورد النهي عن صوم يوم الشك وهو اليوم الذي يشك هل هو آخر شعبان أو أول رمضان قال عمار بن ياسر من صام يوم الشك فقد عصا أبا القاسم .
أما مارواه الامام السيوطي وصححه الألباني رحمهما الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله عليه وسلم "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا " فهذا الحديث في حق من يبتدأ الصوم في النصف الثاني من شعبان هذا حرم نفسه من الصوم في النصف الأول فيحرم في النصف الثاني بهذا الحديث أما من لم يحرم نفسه في النصف الأول فإنه لا يحرم في النصف الثاني .
ويستحب للصائم في هذه الايام إخفاء الصيام وعدم التباهي به قال بن مسعود رضي الله عنه " إذا أصبحتم صياما فأصبحوا مدهنين "وقال قتادة رضي الله عنه " يستحب للصائم أن يدهن حتي تذهب عنه غبرة الصيام " . فيكون الصوم خالصا لله خاليا من الرياء وكان أحد السلف يخرج في شعبان في الصباح ومعه رغيفين فيفهم أهله انه مفطر ثم يلقي مساكين فيتصدق عليهم فيفهم من بالخارج انه مفطر فيخفي أمر صيامه علي من بالداخل والخارج .
وإذا كنا هنا نحث علي الاجتهاد في العبادة في شعبان لا سيما الصيام فتجدر الاشارة إلي أنه لا ينبغي الاهتمام بالنوافل علي حساب الفرائض فلا يجوز التلبس بنافلة إلا بعد اكتمال الفريضة . فالبدار البدار أحبتي بالفرائض ثم النوافل . ويصح في ذلك مارواه البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ..
الثانية :
من البدع التي شاعت بين الناس في شعبان صلاة البراءة وهي صلاة 100 ركعة في ليلة النصف من شعبان ، الاعتقاد أن ليلة النصف من شعبان هي ليلة القدر ، قراءة سورة يس ودعاء مخصص يقال هو دعاء النصف من شعبان . وهذه البدع قال عنها رسول الله صلي الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد وصححه الألباني عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال " كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار " وقال في الحديث المتفق عليه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وهذا الذي يأتي بالبدع قد وقع في محذورات عديدة ذكرها العلماء نوجزها فيما يلي:
*المحذور الأول: أن فعله يتضمن تكذيب ما دل عليه قول الله عز وجل: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ فعندما يبتدع يشك في كمال الدين .
*المحذور الثاني: أن ابتداعه يتضمن التقدم بين يدي الله ورسوله، والله قال "يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم .
* المحذور الثالث: أن ابتداعه يستلزم جعل نفسه شريكاً مع الله تعالى في الحكم بين عباده، كما قال الله تعالى: "أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ".
*المحذور الرابع: أن ابتداعه يستلزم واحداً من أمرين، وهما: إما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم جاهلاً بكون هذا العمل من الدين، وإما أن يكون عالماً بذلك ولكن كتمه. *المحذور الخامس: أن ابتداعه يؤدي إلى تطاول الناس على شريعة الله تعالى،وإدخالهم فيها ما ليس منها، في العقيدة والقول والعمل، ، فتقع الأمة فيما نهى الله عنه بقوله: "وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" وفيما حذر منه بقوله: "إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ".
* المحذور السادس: أن ابتداعه يؤدي إلى انشغاله ببدعته عما هو مشروع، "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ َ"... وصلي الله علي نبينا محمد .