الدوة الاسلامية وموقف قريش منها ( مقدمة الاسراء والمعراج )

بسم الله الرحمن الرحيم

الدعوة الاسلامية وموقف أهل مكة منها

جامع المصطفي . المنصورة في يوم 27/7/2007

الحمد لله تعبد عباده بتوحيد الألوهية والربوبية . وأنزل كتابا مهيمنا علي الكتب السماوية . سبحانه سبحانه شرع الاسلام وجعله ختاما وناسخا للاديان فقال " ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " . أحمد الله وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأستعين به وأستنصره . وأتوكل في جميع الأمور عليه وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شرفه وفضله وزينه وجمله فكان أقرب المقربين إليه . اللهم صل وسلم وبارك علي رسول الله محمد خير عبادك وعلي آله وصحبه وكل مسلم آمن بآيات ربه ففاز بقربه وتمتع بحبه وسار علي دربه الي يوم الدين . أما بعد فأوصيكم وإياي عباد الله بتقوي الله وأحذركم ونفسي من عصيان الله ثم أستفتح بالذي هو خير:

" يقول الله تبارك وتعالي وهو أصدق القائلين : بسم الله الرحمن الرحيم " يا أيها المدثر قم فأنذر" .

عباد الله أيها المسلمون :

هذه آية من كتاب الله رب العالمين . من أوائل مانزل علي قلب رسول الله . تأمر رسول الله بالدعوة الي عبادة الله وحده وترك كل مايعبد من دون الله . تدعوا إلي الوحدانية المطلقة فلا شركاء ولا شفعاء ولا وسطاء ولامعبود بحق إلا الله . كما تدعوا إلي الايمان باليوم الآخر وما به من ثواب وعقاب وحساب وجزاء . وتفويض الأمر لله مالك الملك " والأمر يومئذ لله " . وقد استجاب النبي لأمر ربه وتحمل شرف الرسالة ومر ذلك بثلاث مراحل : 1ـ الدعوة إلي الله سرا واستمرت ثلاث سنوات ،2ـ الدعوة إلي الله جهرا في مكة حتي السنة العاشرة . 3ـ ثم الدعوة إلي الله جهرا خارج مكة واستمرت حتي السنة الأولي للهجرة .

# بدأ الرسول يدعوا سرا من يتوسم فيه الخير فأول من آمن به علي الاطلاق خديجة بنت خويلد فهي أول من آمن به من النساء . فهي صديقة وفية وصحابية كريمة وأم الصحابة وأم المؤمنين ، ثم علي بن أبي طالب دخل علي النبي وهو يصلي مع خديجة فقال ماهذا ؟ قال النبي دين الله الذي اصطفاه لنفسه وأدعوك اليه . فقال بعد أن أستشير أبا طالب فقال له النبي إذا لم تسلم فاكتم . ثم من الغد عاد علي يشهد أن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله . فقال النبي وهل استشرت أبا طالب ؟ قال لا . وهل استشار الله أبا طالب قبل أن يخلقني ؟ ولما علم أبوه قال له آزر ابن عمك وانصره ، ثم زيد بن حارثة مولي خديجة ، ثم أبا بكر الصديق وكان أعف الناس لسانا ويدا . وأعلمهم نسبا . وقد أشاد النبي بإسلامه فقال "ما دعوت أحدا للإسلام إلا كانت عنده كبوة ونظر وتردد إلا ما كان من أبي بكر ما عكم حين دعوته " . وعلي يد أبي بكر أسلم عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله وتلاهم غيرهم حتي أصبح عددهم 60 مسلم في ثلاث سنوات ويسمون المسلمون الأوائل واتسمت الدعوة في هذه المرحلة : * بسرية التنظيم فكانوا يجتمعون بدار الأرقم بن أبي الأرقم علي يسار جبل الصفا ، * وتناولت كل قطاعات المجتمع من الصغار والكبار والأعيان والصناع والتجار والأغنياء والحرائر والعتقاء مما يدل علي أن هذه الدعوة كانت طبيعية وغير مفتعلة ، * واقتصرت العبادة علي الصلاة فقد علم جبريل النبي الوضوء والصلاة وكانت ركعتين * وتم التركيز علي العقيدة السليمة .

# وصل أمر الدعوة إلي مسامع أهل مكة فانتابهم الخوف والجزع وفي نفس الوقت صدر الأمر من الله لرسول الله " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ، وأنذر عشيرتك الأقربين ، وقل إني أنا النذير المبين " . دعي الرسول بني عبد المطلب إلي وليمة ليخبرهم بدعوته ولكن أبا لهب أفسد عليه أمره . فصنع وليمة أخري في اليوم التالي وعندما اراد كلامهم هم أبو اهب فأفسد عليهم أيضا . فدعاهم مرة ثالثة وقال لهم : ما أعلم شابا من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به فأيكم يؤازرني فأعرضوا عنه فقال علي : أنا يا نبي الله . ودعاهم الرابعة فخطبهم : ( الحمد لله أحمده وأستعين به وأتوكل عليه وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له أما بعد : فإن الرائد لا يكذب أهله والله الذي لا إله إلا هو إني رسول الله إليكم خاصة وإلي الناس عامة والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ولتحاسبن بما تعملون وإنها لجنة أبدا وإنها لنار أبدا فقال أبو طالب امض لما أمرت به فوالله لا أزال أحيطك غير أن نفسي لا تطاوعني علي فراق دين عبد المطلب . فقال أبو لهب هذه والله هي السوأة خذوا علي يديه فقال أبو طالب والله لنمنعنه ما بقينا .

# ولما أعرض عنه عشيرته الأقربون أخذ يدعو بطون مكة فصعد علي جبل الصفا فجعل ينادي يا بني فهر يا بني كعب يا بني عدي يا بني مخزوم يا معشر قريش فاجتمعوا حوله فقال لهم : أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي ؟ قالوا نعم ما جربنا عليك كذبا فقال إني لكم من الله نذير بين يدي عذاب شديد . فقال أبو لهب تبا لك يا محمد ألهذا جمعتنا ؟ فنزلت سورة " تبت يد أبي لهب وتب ما أغني عنه ماله وما كسب سيصلي نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد " . مضي النبي في دعوته . وتصدت قريش لهذه الدعوة بكل ما أوتيت من سبل لأن في هذه الدعوة القضاء علي سيادتهم والقضاء علي عقيدتهم والقضاء علي ثروتهم فقامت بالاضطهاد والتعذيب تارة، ومحاولة قتل النبي تارة ، بالمفاوضات تارة وبالمقاطعة تارة وبالحرب الدعائية تارة أخيرة . بدأ الاضطهاد والتعذيب للرسول تارة وللمسلمين تارة . أما الرسول فرموه بالجنون " وقالو يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون " . وقد رد الله " ما أنت بنعمت ربك بمجنون " . ثم رموه بالسحر والكهانة فأقسم الله " فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين " وقد تزعم هذه الحملة أبو لهب عليه اللعنة فقد طاف علي الناس وقال لهم لا تصدقوه إنه كذاب وأجبر ولديه عتبة وعتيبة علي تطليق بنات النبي رقية وأم كلثوم ومشي أبو لهب خلف النبي في موسم الحج ورماه بالحجارة حتي أدمي قدمية وزوجته أم جميل حملت حجرا لترمي به رسول الله والرسول يقف مع أبي بكر عند الكعبة وقد أعمي الله بصرها عنه فلم تره رغم أنه واقف مع أبي بكر عند الكعبة أمام عينها . وهذا أميه بن خلف يقوم بهمز النبي ولمزه في النوادي وأماكن تجمع الناس فنزل فيه " ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالا وعدده " وفي يوم جاء بعظم قد رم ونثره في وجه النبي وقال له اتزعم أن ربك يبعث هذا ثانية فقال نعم ويبعثك ويدخلك النار " أيحسب الانسان ان لن نجمع عظامه بلي قادرين علي أن نسوي بنانه " وهذا عقبة بن أبي معيط يأتي بسلي جزور ويضعها علي ظهر النبي وهو يصلي عند الكعبة وجاءت فاطمة وأزالت عن أبيها ودعت علي عقبة . وهذا الاخنس بن شريق وصف القرآن أنه أساطير الأولين فرد القرآن عليه بتسع صفات " وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ " مشي لأمه قال لها وصفت محمدا بصفة فرد علي بتسع صفات أعرفها كلها عدا زنيم . وقال مُرَّة الهمداني: إنما ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة . وأما الأذي بالمسلمين فكان القرشيون يسخرون من المسلمين ويستهزؤن بهم " إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ " . وامتد الأذي والضرب لأبي بكر وطلحة بن عبيد الله وقام نوفل بن خويلد فربطهما بالحبل وطاف بهما في طرقات مكة لذا يسمي ابو بكر وطلحة بالقرينين . والزبير بن العوام ربطه عمه في حجرة مظلمة ودخن عليه الغرفة حتي يموت أو يرجع عن دين محمد لكنه صمم علي الاسلام . وسعد بن أبي وقاص امتنعت أمه عن الأكل والشرب وقالت له لا آكل ولا أشرب ولا أنام حتي أموت أو ترجع عن دين محمد فقال قولته المشهورة والله لو أن لك مائة نفس ماتت نفسا بعد نفس ما تركت دين محمد ومصعب بن عمير لما علمت أمه أجاعته وأخرجته من بيته وكان من أنعم الناس عيشا حتي تخشف جلده ولكنه لم يرجع الاسلام وصدق الله "وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " .

الثانية :

أما ضعفاء المسلمين مثل خباب ، عمار وبلال فقد لاقو من صنوف العذاب ما لاقوا فهذا بلال بن رباح الحبشي أول ثمار الحبشة كان أمية بن خلف يربطه في حبل ويأمر به الصبيان فيطوفون به في شوارع مكة حتي أثر الحبل في عنقه وكان يكرهه علي الجوع فيقول أحد أحد وكان يخرجه إذا حمي وطيس الشمس في الظهيرة ويضع صخرة عظيمة علي صدره حتي يرجع عن دين محمد وهو يقول أحد أحد حتي مر به أبو بكر فاشتراه وأعتقه . وهذا عمار بن ياسر قد أسلم وأسلم أبوه وأمه فكان المشركون يخرجونهم الي الأبطح في حر مكة ويعذبونهم ومر عليهم رسول الله وهو يقول لهم صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة ومات ياسر من العذاب فأغلظت سمية القول لأبي جهل فطعنها بحربة في قلبها فماتت فكانت أول شهيدة في الاسلام ثم انتقل لعمار يعذبه أو يقول في اللات والعزي خيرا فوافقهم علي ذلك مكرها ثم عاد للرسول معتذرا فقبل الله عذره . جاء للرسول فقال ماوراءك ؟ قال شر يا رسول الله فقال كيف تجد قلبك ؟ قال أجده مطمئن بالايمان فقال النبي لإن عادوا فعد . ونزل قوله تعالي "مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ". وهذا خباب مولي أم أنمار بنت سباع الخزاعية يشدونه من شعره ويطون عنقه ويجلسونه علي فحم متوهج ولما اشتد به الاذي جاء يشكو للنبي وهو متوسد بردته في ظل الكعبة فقال يا رسول الله ألا تدعو لنا فقعد النبي وهو محمر الوجه وقال لقد كان من قبلكم يؤتي بالرجل فيحفر له حفرة يجعل فيها ثم يؤتي بالمنشار فوق رأسه فيشقه نصفين ويمشط بأمشاط الحديد مادون لحمه من لحم أو عصب مايصرفه ذلك عن دينه وليتمن الله هذا الأمر حتي يسير الراكب من صنعاء الي حضرموت لا يخاف الا الله والذئب علي الغنم ولكنكم قوم تستعجلون .

أحبتي في الله كان هذا الأذي للنبي والمسلمين هو مقدمة للسراء والمعراج وهو ما سوف نعرضه في الجمعة المقبلة بإذن الله .

» تابع الاسراء والمعراج
» الاسراء والمعراج " الأولي "
» الموسوعة الاسلامية الشاملة