بسم الله الرحمن الرحيم
حق المكلف
جامع المصطفي : 1/6/2007
الحمد لله حد حدودا فلا تعتدوها . وحرم حرمات فلا تنتهكوها . وسكت عن أشياء من غير نسيان رحمة بكم فلا تسألو عنها . أحمد الله وأشكره وأتوب إليه وأستغفره وأستعين به وأستنصره وأسأله الفوز بالجنة و النجاة من النار. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شرفه وفضله وزينه وجمله فكان صفوة المصطفين الأخيار . اللهم صل وسلم وبارك علي رسول الله محمد خير عبادك وعلي آله وصحبه وكل مسلم آمن بآيات ربه ففاز بقربه وتمتع بحبه وسار علي دربه إلي يوم الدين أما بعد : فأوصيكم وإياي عباد الله بتقوى الله أحذركم ونفسي من عصيان الله ثم أستفتح بالذي هو خير . يروي الإمام الترمذي رحمه الله عن أبى ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن " .عباد الله أيها المسلمون :يروي الصحابي الجليل أبو ذر وصية عن النبي صلي الله عليه وسلم جامعة مانعة تشمل علي ثلاثة حقوق : اتق الله حيثما كنت ( حق الله ) . وأتبع السيئة الحسنة تمحها (حق المكلف ) . وخالق الناس بخلق حسن (حق العباد ). وقد تناولنا في الجمعة الماضية حق الله واليوم نتناول حق المكلف ." أتبع السيئة الحسنة تمحها " . فماذا يعني هذا الحق ؟؟؟بداية نقول : إن هذه الحياة التي نعيشها معشر البشر لا تخلو من الضرر . ولا تصفو من الكدر. ولا تسلم من الخطر . وصدق من قال :طبعت علي ملل وأنت تريدها صفوا من الأقذار والأكــــدار
ومكلف الأيام ضد طباعــــــــــهامتطلب في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما تبني الرجا علي شفا جرف هار
كذلك لا يخلو إنسان من الخطأ فالعصمة لا تثبت إلا للأنبياء . فكل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون . وحتى نقف علي هذا الحق نقول : إذا فعلت سيئة فافعل بعدها حسنة . واسمع لربك " وأقم الصلاة طرفي النهار و زلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكري للذاكرين " . قال الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية أقم الصلاة طرفي النهار أي" الصبح والظهر والعصر " وزلفا من الليل " المغرب والعشاء ". إن الحسنات " قيل : هي الصلوات الخمس وقيل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وقيل : هي الحسنات عموما " يذهبن السيئات "يعني الصغائر أي صغائر الذنوب" ذلك ذكري للذاكرين " هذا القرآن هدي و موعظة للمتقين ". ومن جميل ما يروي في سبب نزول هذه الآية ما روي الإمام الترمذي عن بن مسعود رضي الله عنه أن أبا اليسر بن عمرو كان بائع تمر وأتته امرأة جميلة فاشتهاها فقال عندي تمر أفضل من هذا في البيت فمشت معه وهناك وقع عليها وقبلها . لكنه ندم ندما شديدا وذكر ذلك لأبي بكر فقال له ستر الله عليك فهلا سترت علي نفسك . فقاله لعمر فقال مثل أبى بكر . فذكره لرسول الله صلي الله عليه وسلم فأعرض عنه ثم صلي العصر فنزل قول الله "و أقم الصلاة طرفي النهار " الآية فناداه الرسول يا أبا اليسر هل صليت معنا العصر ؟ فقال نعم . فقال اذهب فهي كفارة لك . فقال الصحابة أهذا له خاصة يا رسول الله ؟ فقال هذا له ولمن فعل مثله من أمتي . وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله دلني علي عمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار فقال" إن فعلت سيئة فافعل بعده حسنة فإنها بعشر أمثالها فقلت ولا اله إلا الله حنة فقال أفضل الحسنات " .ومن ذلك يتضح لنا أن السيئات نوعان : صغائر وكبائر . أما الصغائر فهي السيئات في قوله تعالي " إن الحسنات يذهبن السيئات ". وهي اللمم في قوله تعالي " الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ". وهي ما دون الزنا أو هي ما يفعله الإنسان مرارا ولا يتعمق فيه ولا يقيم عليه . وهي ما عمت به البلوى ويصعب الاحتراز منه . أما الكبائر فهي ما ورد عليه الوعيد من الله أو من رسول علي فعله أو نص الله أو رسوله علي أنها من الكبائر.......فأما الصغائر فيكفرها : * الحسنات " الصلوات الخمس " صح ما روي الإمام مسلم عن النبي صلي الله عليه وسلم " الصلوات الخمس والجمعة للجمعة مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " . وذلك لأنها مثل النهر الجاري يغتسل منه الإنسان في اليوم والليلة خمس مرات صح ما روي الشيخان الجليلان البخاري ومسلم عن النبي صلي الله عليه وسلم " لو أن نهرا بباب أحكم يغتسل منه في اليوم والليلة خمس مرات فهل يبقي من درنه شيء قالوا لا يا رسول الله فقال ذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا ". ولن يكون ذلك كذلك إلا بشروط : أن يتم ركوعها وسجودها ويحسن وضوءها وخشوعها صح ما روي الإمام مسلم عن عثمان بن عفان قال : قال النبي صلي الله عليه وسلم " ما من عبد تحضره صلاة مكتوبة فيتم ركوعها وسجودها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب مالم تؤت الكبائر ". فإن فعل الشرط حصل الميزة وإلا كانت وبالا عليه * فلا يتقبل الله منه قال صلي الله عليه وسلم " ما من عبد يصلي الصلاة لايتم ركوعها ولا سجودها فلا يتقبل الله منه "* بل تلف في خرقة باليه يخرج منها رائحة نتنة وتغلق دونها أبواب السماء وتدعو علي صاحبها ضيعك الله كما ضيعتني . * بل يصبح من أشد الناس سرقة روي الإمام أحمد عن أبي قتادة قال : قال صلي الله عليه وسلم " أشد الناس سرقة الذي يسرق من صلاته قالوا وكيف يسرق المرء من صلاته يا رسول الله ؟ قال لا يتم ركوعها ولا سجودها " * ولو مات علي ذلك مات علي غير الملة "روي الطبراني عن أبي موسي رأي النبي رجلا ينقر الصلاة كنقر الديك فقال لو مات علي هذا مات علي غير الملة " . * ويكفرها كذلك كثرة الخطا إلى المساجد روي الإمام أحمد عن أبي سعيد قال : قال صلي الله عليه وسلم " ألا أدلكم علي ما يمحو الله به السيئات ويرفع به الدرجات ويمحو به الخطايا قالوا بلي يا رسول الله قال إسباغ الوضوء علي المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط ". * ويمحوها كذلك ذكر الله قال تعالي " إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون " وقال " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله ". و روي الشيخان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شئ قدير100 مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتب الله له 100 حسنة وحط عنه 100 سيئة وكانت له حرزا من الشيطان حتى يمسي ولم يكن أحد أفضل منه إلا رجل أتى بأكثر منه ". وروي الشيخان عن أبي هريرة قال : قال صلي الله عليه وسلم " من قال سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله اكبر 100 مرة غفر الله له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر ". * وكذلك يغفرها الاستغفار قال تعالي " واستغفروا الله إن الله غفور رحيم " وقال " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله " جاء في الصحيحين قال صلي الله عليه وسلم " إذا أذنب العبد فاستغفر الله قال الله علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب فقد غفرت له 4 مرات ثم يقول فليفعل عبدي ما شاء ". وروي الترمذي عن أبي بكر الصديق قال صلي الله عليه وسلم " إذا أذنب العبد واستغفر الله غفر الله له 70 مرة " وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله ما بال أحدنا يذنب قال يكتب عليه قال ثم يستغفر الله قال يغفر له قال ثم يذنب قال يكتب عليه قال ثم يستغفر قال يغفر له ولا يمل الله حتى تملوا ". *ويغفرها كذلك الصدقة والطواف وما يصيب المسلم من أذى قال النبي " حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه " .وأما الكبائر فهي التي ورد عليها وعيد من الله . وقسم أبو طالب المكي الكبائر إلى ستة أقسام :ـ أربعة في القلب " الشرك بالله والأمن من مكر الله والقنوط من رحمة الله والإصرار علي معصية الله " وأربعة في اللسان " الكذب و السحر و قذف المحصنات وشهادة الزور " وثلاثة في البطن أكل الربا وأكل مال اليتيم وشرب الخمر " واثنان في اليد" السرقة والقتل " وواحدة في الرجل " الفرار يوم الزحف " وواحدة في جميع البدن " عقوق الوالدين ". وهذه الكبائر يلزمها التوبة وفضل الله. واسمع لربك " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " وقال الطبري مرتكب الكبيرة في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له "واسمع لربك في حديثه القدسي " يابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك علي ما كان منك ولا أبالي . يابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك علي ما كان منك ولا أبالي . يابن آدم لم أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لقيتك بقرابها مغفرة "ومن جميل ما يروي قصة الرجل الذي قتل 100 نفس .الثانية :وضع الإمام النووي للتوبة شروط هي : ترك الذنب والندم عليه والعزم علي عدم العودة إليه هذا إن كان الذنب يتعلق بحقوق الله . وأما إن كان يتعلق بحقوق العباد يضاف إليها شرطا رابعا هو رد المظالم إلى أهلها إن كان مالا رده وإن كان قذفا مكن المقذوف من نفسه وإن كان غيبة استحل من صاحبها عندئذ تكون التوبة نصوح "يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ". أما من خلط عملا صالحا آخر سيئا فقد سئل الإمام مالك رحمه الله عن رجل أكل مالا فيه شبهة هل يغفر له التسبيح والصلاة ؟ قال إن صلي وسبح من أجل ذلك فعسي الله أن يتوب عليه وتلا قوله تعالي " خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فعسي الله أن يتوب عليهم " . فإلي الذين أسرفوا علي أنفسهم باب التوبة مفتوح للإنسان ما لم يغرغر . باب التوبة مفتوح ما لم تشرق الشمس من المشرق وصدق من قال : يا من أسي فيما مضي ثم اعترف كن محسن فيما بقي نلت الشرف أما سمعت قول الحق في قرآنه إن ينتهوا يغفر لهم ما قد ســـلفوصدق الله" ُقلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ".