وقوف المأموم مع الإمام أنواع
_ وقوف المأموم الواحد عن يمين الإمام، لحديث عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – وفيه: ”فقام النبي [صلّى الله عليه وسلّم] يصلي فقمت عن يساره، فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه“ وهذا يدلّ على أن موقف الواحد مع الإمام عن يمينه، بدليل الإدارة، إذ لو كان اليسار موقفاً له لما أداره في الصلاة([1]) وهذا هو الأفضل والأكمل([2]). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”وهذا يدلّ على أن المأموم إذا كان واحداً يكون عن يمين الإمام مساوياً له لا يتقدم ولا يتأخر، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يقل لابن عباس لا تتأخر عني“([3]). وسمعته – رحمه الله – يقول: ”لو صلى عن يسار الإمام صحت صلاته، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم ما أمره بإعادة التحريمة، لكن السنة عن يمين الإمام“([4]).
_ وقوف الاثنين فأكثر خلف الإمام، لحديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – وفيه: ”جئت حتى قمت عن يسار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبَّار بن صخر فتوضأ ثم جاء فقام عن يسار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيدينا جميعاً فدفعنا حتى أقامنا خلفه“([5]).
وهذا يدلّ على أن موقف الرجلين فأكثر مع الإمام في الصلاة خلفه([6])، ومما يدل على ذلك حديث أنس – رضي الله عنه – وفيه: ”فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا، فصلى لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ركعتين ثم انصرف“([7]).
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”فدلّ على جواز مصافة الصغير وأن المرأة الواحدة تصلي خلف الصف“([8]).
وسمعته يقول: ”فدلت السنة على أن الواحد يقف عن يمين الإمام كما في حديث جابر، وأنس، وابن عباس، في الفرض والنفل جميعاً، أما إذا كانوا اثنين فأكثر فإن السنة أن يكونوا خلفه. أما أثر ابن مسعود، وهو أنه جعل علقمة والأسود عن يمينه وشماله، وهو أنه جعل علقمة والأسود عن يمينه وشماله، ونقله عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال العلماء فيه: إنه موقوف، وأعلّه بعضهم، وقال بعضهم: إنه منسوخ، والصواب أنه موقوف من اجتهاده أو منسوخ([9]).
3_ وقوف الإمام تلقاء وسط الصف، العمل عليه عند أهل العلم، فينبغي أن يجعل الإمام مقابلاً لوسط الصف. وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول: ”وسِّطوا الإمام وسدوا الخلل“([10]): الحديث وإن كان فيه ضعف ولكن العمل عليه عند أهل العلم، فالسنة أن يكون الإمام وسطاً في المساجد، هذه السنة العملية التي درج عليها المسلمون([11])“([12]). وقال رحمه الله: ”الصف يبدأ من الوسط مما يلي الإمام، ويمين كل صف أفضل من يساره، والواجب ألا يبدأ في صف حتى يكمل الذي قبله. ولا بأس أن يكون الناس في يمين الصف أكثر، ولا حاجة إلى التعديل، بل الأمر بذلك خلاف السنة، ولكن لا يُصفّ في الثاني حتى يكمل الأول، ولا في الثالث حتى يكمل الثاني، وهكذا بقية الصفوف، لأنه قد ثبت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأمر بذلك“([13]).
4_ وقوف المرأة الواحدة خلف الرجل، لحديث أنس – رضي الله عنه – وفيه: ”وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا“([14]). وقال الإمام ابن عبد البر – رحمه الله -: ”أجمع العلماء على أن المرأة تصلي خلف الرجل وحدها صفّاً، وأن سنتها الوقوف خلف الرجل لا عن يمينه“([15]). ولكن لا تجوز الخلوة بالمرأة وحدها كما تقدم([16]).
5_ وقوف المرأة الواحدة أو أكثر خلف الرجال، لحديث أنس السابق، ولحديثه الآخر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم دخل عليه وصلى به وبأمه وقال: ”فأقامني عن يمينه وأقام المرأة خلفنا“([17]). وإذا زاد النساء عن واحدة صلين خلف الرجال، لحديث أنس – رضي الله عنه – وفيه: ”صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلّى الله عليه وسلّم وأمي وأم سليم خلفنا“([18]). وإذا لم يوجد إلا الإمام صلى بالنساء وهن خلفه إلا إذا خاف الفتنة فلا يصلي بهن، لأن ما كان ذريعة إلى الحرام فهو حرام([19]).
_ وقوف المرأة الواحدة مع المرأة كوقوف الرجل مع الرجل الواحد، تقف عن يمينها([20]).
7_ وقوف النساء مع المرأة عن يمينها وشمالها، فإمامتهن تقوم وسطهن في صفهن، استحباباً، لأن أم سلمة – رضي الله عنها – كانت إذا أمَّت النساء وقفت في صفهن([21])، وعائشة – رضي الله عنها – أيضاً كانت إذا أمَّت النساء وقفت في صفهن([22])، لأن ذلك أستر للمرأة، والمرأة مطلوب منها الستر بقدر المستطاع([23])، وإذا كن عراة فكذلك تقوم إمامتهم وسطهن، وتجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية([24]).
8_ وقوف العراة مع إمامهم العاري عن يمينه وشماله، فيكون إمامهم وسط صفهم ولو طال الصف، لأن ذلك أستر له([25]). قال الإمام ابن قدامة – رحمه الله – في المغني: ”وإذا شرعت الجماعة لعراة النساء مع أن الستر في حقهن آكد، والجماعة في حقهن أخف فللرجال أولى وأحرى، وغض البصر يحصل بكونهم صفّاً واحداً يستر بعضهم بعضاً، إذا ثبت هذا فإنهم يصلون صفّاً واحداً ويكون إمامهم وسطهم، ليكون أستر له“([26]). وهذا على سبيل الوجوب إلا إذا كانوا عمياً، أو في ظلمة فإنه يصلي بهم أمامهم([27])
_ وقوف الرجال، والصبيان، والنساء مع الإمام على النحو الآتي:
أ_ يصف الرجال خلف الإمام إن سَبقُوا.
ب _ ثم يصف الصبيان خلف الرجال ما لم يسبقوا أو يمنع مانع.
ج _ ثم يصف النساء خلف الصبيان.
ويدل على هذا الترتيب حديث أبي مسعود – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: ”استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليلِني منكم أُولوا الأحلام والنهى([28])، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم“([29]). وفي حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -: ”ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم – ثلاثاً – وإياكم وهيشات([30]) الأسواق“([31]).
قال الإمام النووي – رحمه الله تعالى -: ”فالأفضل إلى الأمام، لأنه أولى بالإكرام، ولأنه ربما يحتاج الإمام إلى استخلاف فيكون هو أولى، ولأنه يتفطن لتنبيه الإمام على السهو لِمَا لا
9 يتفطن له غيره، وليضبطوا صفة الصلاة ويحفظوها، وينقلوها ويعملوها للناس، وليقتدي بأفعالهم من وراءهم، ولا يختص هذا التقديم بالصلاة، بل السنة أن يقدم أهل الفضل في كل مجمع إلى الإمام وكبير المجلس: كمجالس العلم، والقضاء، والذكر، والمشاورة، ومواقف القتال، وإمامة الصلاة، والتدريس، والإفتاء، وإسماع الحديث، ونحوها، ويكون الناس فيها على مراتبهم في العلم والدين، والعقل، والشرف، والسن، والكفاءة في ذلك الباب، والأحاديث الصحيحة متعاضدة على ذلك“([32]).
وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى في أصحابه تأخراً فقال: ”تقدّموا فائتمّوا بي وليأتمّ بكم من بعدكم([33])، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم([34]) الله“([35]). وفي لفظ أبي داود عن عائشة – رضي الله عنها -: ”لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار“([36]). والمقصود فيما تقدم أن يتقدم الرجال، ثم بعد ذلك الصبيان، ذكور وقد فضّل الله الذكور على أفناث فهم أقدم من النساء، ثم بعد ذلك النساء، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ”خير صفوف الرجال أوّلها وشرّها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرّها أولها“([37]). ويلزم من ذلك تأخر صفوف النساء
عن صفوف الرجال([38]).
أما ترتيب صفوف الصبيان فلا شك أن الأولى أن يكونوا خلف الرجال إلا إذا حصل بذلك تشويش على المصلين فإنا نجعل بين كل صبيين رجلاً بالغاً، ليخشع الناس في الصلاة([39]).
وتقديم الرجال ثم الصبيان يكون في ابتداء الأمر، كأن يجتمع الناس للصلاة في وقت واحد ولم يتقدم أحد قبل أحد، أما إذا جاء الصبي إلى الصفوف الأُوَّل وسبق إلى مكان فالصواب أنه أحق به من غيره([40])، لحديث ابن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ”لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه“. وفي لفظ: ”نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يقيم الرجل الرجل من مقعده ويجلس فيه“ فقيل لنافع: الجمعة؟ قال: الجمعة وغيرها([41]). وفي لفظ لمسلم: ”لا يقيم الرجل الرجل من مقعده ثم يجلس فيه ولكن تفسّحوا وتوسّعوا“.
وإقامة الصبي من مكانه وتأخيره يؤدي إلى تنفير الصبيان من المساجد، وكراهتهم للرجل الذي أخّرهم عن الصف([42]) وهذه مفسدة([43]). قال الإمام شيخنا عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله -: ”إذا كان الصبي مميزاً عاقلاً فلا يؤخر من مكانه، لأنه قد سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم، فكان أولى، ولِمَا فيه من التشجيع للصبيان على المسابقة إلى الصلاة، وإذا كان دون التمييز أو غير عاقل فإنه يؤخر، لأن صلاته غير صحيحة“([44]).