الفقيه الغازى أسد بن الفرات
أسد بن الفرات أصله من حران بديار بكر ولد سنة خمس وأربعين ومائة من الهجرة ثم انتقل الى تونس فكانت هناك نشأته العلمية الفقهية ؛ أخذ عن الفقيه المالكى (على بن زياد ) ثم تزود من الحديث والأثر وجلس يعلم ويتصدر للتدريس بتونس وبالقيروان ثم علت به همته ورغب فى الرحلة للقاء العلماء من الأقطار الاخرى ؛ قصد الى المشرق فأدرك الامام ( مالكا ) وسمع منه الموطأ وروى عنه مذهبه ثم رأى أن يقارن بين هذا الفقه وبين فقه اخر عرف بفقه الرأى والقياس فسافر الى العراق ولقى القاضى (أبا يوسف ) و(محمد بن الحسن ) صاحبى أبى حنيفة فنقل عنهما فقه الحنفية وناقش الأصول والقواعد التى جعلت أساسا للمذهب الحنفى وكما نقل هو عن أبى يوسف ومحمد نقلا هما عنه أيضا موطأ الامام مالك ؛ ثم عاد أسد بن الفرات الى موطن علمه وفقهه (القيروان ) وقد أفاد علما وفهما ومقارنة بين المذاهب ثم وضع للمجتمع فى البلاد الافريقية أساس الفقه فى المعاملات وبين ما قامت عليه الشريعة الاسلامية من أصول وقواعد والناس مأخوذون بعلمه عاكفون على درسه ؛ وبينما هو مشغول بالعلم والتعليم فى ظلال الدولة الافريقية الناشئة ( دولة بنى الأغلب التميميين ) الذين استقلوا بالأمر فى تلك الرقعة وكانوا من قبل عمالا عليها للخلفاء العباسيين _ بينما الشيخ يعلو صيته وترتفع شهرته حتى لقد أطلقوا عليه ( شيخ الفتيا ) واذا ( بزياد الله بن الأغلب ) يهىء لغزو ( جزيرة صقلية ) ويعتزم فتحها للمسلمين ؛ والعهد عهد ( المأمون الخليفة العباسى ) ؛ فيهب الشيخ ( أسد بن الفرات ) الى الجهاد والغزو تاركا درسه وأقلامه ومحابره ؛ راغبا فى هذا الشرف المتاح له والشيخ يومئذ يضرب فى حدود السبعين من عمره ؛ فيا لله !! ما أبعد هذه الهمم وما أعز هذه النفوس !! وانظروا كيف طلب الشيخ ( أسد بن الفرات ) أن يكون متطوعا جنديا من أجناد الأسطول الغازى _ لم يطلب غير ذلك ؛ لكن (زياد الله ) يعرف للشيخ قدره وعزمه ومضاءه ؛ فيعينه أميرا على الجيش الغازى ؛ وبذلك يجتمع (لأسد بن الفرات ) مشيخة القضاء وأمارة الجيش ؛ ويخرج (أسد بن الفرات ) الى مقر الأسطول الاسلامى الافريقى ( بسوسة ) فى يوم مشهود والناس يتزاحمون من حوله ىيتنافسون فى طلب الغزو معه ؛ ارتقى ( أسد ) السفينة التى أعدت له ووقف خطيبا يخطب خطبته التى تثير النخوة وتبعث على الثقة بالنفس فقال : ( أيها الناس والله ما ولى لى أب ولا جد ولاية قط وما رأى أحد من سلفى ما رأيت ولا بلغ ما بلغت وكل الذى أعدنى وهيأنى قلمى وعلمى ؛ فأجهدوا أنفسكم وأتعبوا أبدانكم فى طلب الحق وفى تدوين العلم وكابدوا واصبروا على كل الشدائد فإنكم بذلك تنالون فخر الدنيا وسعلدة الاخرة ) وسار الأسطول مزودا بهذا الإيمان ؛ محصنا بهذا اليقين حتى وصل شواطىء ( صقلية ) ثم شرع الشيخ ( أسد ) يقود المعركة فدك حصون الجزيرة وهدم قلاعها وما زال يثخن فى الأعداء حتى بلغ العاصمة ( سرقوسة ) فحاصرها ومات على قلاعها ؛ تاركا لقواده وجنده اتمام الفتح وقد ولى الإمارة من بعده على الجيش ( ابن أبى الجوارى ) فأتم الفتح وأرضى روح الشيخ اسد بن الفرات فى مستقرها بجوار ربها ؛؛؛ رحم الله الشيخ أسد بن الفرات الذى كان يقول ( أنا أسد _ وهو خير الوحوش ؛ وأبى الفرت _ وهو خير المياه ؛ وجدى سنان _ وهو خير السلاح ) ألا حيا الله أسد بن الفرات ؛ ونضر وجهه ؛ ونفع المسلمين بسيرته _______________________